تتعامل صناديق المعاشات التقاعدية بشكل رئيسي مع عدد الأشخاص العاملين مقارنةً بالذين يستلمون رواتب التقاعد. في إسبانيا، قامت كلية“IESE” لإدارة الأعمال، كما هو مذكور في صحيفة “Financial Times” بتقدير عدد 3.6 شخص يتم استخدام مخصصاتهم لدفع الراتب التقاعدي لكل شخص متقاعد يتجاوز عمره 65 عاماً، كما قدرت الكلية أن ينخفض ذلك الرقم إلى 2.5 بحلول عام 2030 وإلى 1.6 بحلول عام 2050. لذلك، تقوم إسبانيا حالياً بإعادة هيكلة صندوق المعاشات النقاعدية الخاص بها لعلمها بأن الصندوق سيستنزف ميزانية الدولة في المستقبل بسبب تناقص أعداد العاملين وبالتالي مساهمتهم في صندوق التقاعد، إلى جانب علمها بأن الحل الآخر يكمن في استقطاب ما لا يقل عن 26.5 مليون مهاجر على مدى الأربعين عاماً القادمة. سيتضمن التعديل الذي ستطبقه إسبانيا ابتداءً من عام 2019 عامل لقياس استدامة الصندوق بحيث يربطبين راتب التقاعد مع متوسط أعمار المتقاعدين المتوقعة مما يعني أنه كلما ارتفع الرقم الأخيركلما قلت المبالغ المدفوعة بتقسيم مبلغ التقاعد نفسه على عدد سنوات أكثر. أيضاً، قامت إسبانيا بزيادة العمر الأدنى لاستحقاق راتب التقاعد إلى 67 عاماً.
لنفترص هُنا بأن إسبانيا لن تتمكن من استقطاب عدد كافي من المهاجرين لملء الفراغ بين عدد الشباب العاملين وعدد التمقاعدين خاصةًأنه عليها استقطاب 665 ألف مهاجر سنوياً بينما لم تتمكن من استقطاب سوى 70 ألف مهاجر في 2010. لنفترض إذاً أيضاً أن إسبانيا ستعتمد بشكل كامل على سكانها الحاليين لتمويل صندوق التقاعد مع ملاحظة أن الدول التي تواجه مشاكل في ما يخص صناديق التقاعد هي تلك التي تعاني من تزايد أعداد المسنين في مجتمعاتها مقارنةً بالشباب، وبأن الدول التي لا زالت تتمتع بشريحة أكبر من الشباب هي التي يمكنها التعديل على صناديق التقاعد الخاصة بهابشكلٍ أسهل. وبالمناسبة، فإن المملكة المتحدة تعاني من مشاكل مماثلة والتي قامت هي بدورها بزيادة سن التقاعد، كما تعاني صناديق التقاعد الخاصة بولاية إلينوي وديترويت في الولايات المتحدة من نقص في السيولة، وتعاني هونغ كونغ من مشاكل مماثلة بسبب تزايد أعداد المسنين وتناقص أعداد فئة الشباب ومعدل المواليد الجدد كذلك.
ماذا على الدول أن تفعل لحل مشكلة صناديق التقاعد بالإضافة إلى زيادة سن التقاعد واستقطاب المهاجرين؟ الحل في وجهة نظري هو كالتالي: على الدول أن تقوم في بادئ الأمر بالعمل على خفض نسب البطالة، فنسبة 25% من إجمالي 47 مليون نسمة هم سكان إسبانيايعني بأن هنالك حوالي 12 مليون شخص لا يسهمون في تمويلصندوق التقاعد. إذا لم تتمكن الدول من جذب الاستثمارات الأجنبية؛ سيكون لزيادة الإنفاق الحكومي لخلق وظائف إضافية أثر عكسي حيثُ سيقلل من القيمة الفعلية لإجمالي قيمة صندوق التقاعد، والأفضل من ذلك يكمن في تشجيع الشباب وغيرهم على إنشاء مشاريعهم الخاصة. ثانياً، وكما هو الحال في السويد ولاتفيا، لابد من أن يتمكن الأفراد من متابعة إجمالي مبالغهم المتراكمة في صندوق التقاعد على مدى سنوات خدمتهم وأن يُتاح للأفراد أن يقوموا بزيادة أو إنقاص مبلغ المساهمة بحسب ما يناسب وضع السوق من حيث التضخم في الأسعار وتغير أسعار العملة ومستويات المعيشة والوضع المالي للشخص حينها على أن يتم تحديد حد أدنى للمساهمة. على سبيل المثال، قد يرغب الفرد بزيادة مبلغ المساهمة بعد التخلص من أقساط القروض أو ربما لأنه يريد أن يراكم مبلغ أكبر لتقاعده.
الحل الثاني المطروح يعمل بشكل أفضل مع الدول التي تتمتع بفئة شباب أكبر من فئة المسنين إلا أنها ليست حكراً عليهم بسبب تفاوت النسب وتغيرها بشكلٍ مستمر وإن كان بعد حين، ومع تزايد متوسط الأعمار المتوقعة للسكان نتيجة لتقدم الأبحاث في مجال الرعاية الصحية وغيرها من الأسباب، فإن ما قامت به إسبانيا للتعامل مع مشكلة صندوق التقاعد يعد جيداً جداً. إذا أرادت الدول أن لا تغير ما الوضع عليه؛ يتوجب عليها على أقل تقدير أن تقوم بربط مبالغ المساهمة والتقاعد بنسبة التضخم مع ضمان وجود سقف أعلى لرواتب التقاعد مع خفض نسبة الراتب الأساسي من الراتب المستلم وزيادة نسب العلاوات الأخرى، كما يجبأن يتم ذلك بالتزامن مع توفير خيارات أخرى للتوفير والاستثمار تتماشى مع ما يجنيه الأفراد من دخل وما يمكنهم توفيره. كما يجب توعية المجتمع بأهمية التوفير والاستثمار في سن مبكر بتوفير ما يزيد من الدخل بدلاً من إنفاقه على استهلاك الأفراد من البضائع والخدمات.ملاحظة: ستنمو هذه المبالغ المستمثرة بمعدل التضخم على مدى سنوات الاستثمار حتى سن التقاعد، كما أن الكثير من الاستثمارات ستعود على المستثمر بعوائد سنوية يمكن للفرد إعادة استثمارها. هناك العديد من الخبراء والاستشاريين الماليين الذين يمكنهم توفير النصح لمن يفتقر الخبرة والدراية في شؤون الاستثمار، لذا لا عذر لأحد. وأخيراً، لماذا لا يقوم الشخص بتصفية حسابه في صندوق التقاعد كلما قام بتغيير وظيفته واستثمار ذلك المبلغ؟
أترك الجواب لكم.
مترجم من مقال للكاتب في جلف نيوز