صناعة المفتي في عصر الذكاء الاصطناعي

آراء

أصبح الذكاء الاصطناعي جزءاً من حياة الناس في كل شؤونهم، حتى وصل إلى الفتوى الشرعية التي هي توقيع عن رب العالمين، فكان لابد من الدخول معه في الجد والهزل، وهذا ما أراده مؤتمر الأمانة العامة لدور وهيئات الفتوى في العالم، المنعقد بالقاهرة في اليومين الماضيين، بعنوان «صناعة المفتي في عصر الذكاء الاصطناعي»، وقد أُعدت لهذا الموضوع بحوث فقهية وتقنية من قبل لفيف من علماء الإسلام وخبراء تقنية الذكاء الاصطناعي من العالم الإسلامي، وذلك لبحث ما يمكن أن يستفاد من هذا الذكاء، وما يجب أن يحذر منه، وكان من مخرجاته توصيات مهمة، منها ما يلي:

– صدور وثيقة القاهرة الأخلاقية لاستخدام الذكاء الاصطناعي.

– ضرورة تكامل الإفتاء المؤسسي مع هذه التقنية الجديدة لضمان الاستفادة المثلى منها.

– تمكين المفتين ببرامج تجمع بين المهارات التقنية والتأصيل الشرعي.

– الدعوة لإنشاء منصات فتاوى خاضعة للرقابة الشرعية.

– تكوين فرق عمل مشتركة بين علماء الشريعة وخبراء التقنية لتطوير منصات إفتائية ذكية بالضوابط الشرعية.

– التحذير من مخاطر استحواذ الخوارزميات الجامدة على مرجعية الفتاوى الدينية، لما يترتب على ذلك من ترويج لأقوال شاذة أو مدسوسة لتشويه الوعي الديني لدى المسلمين.

ولا ريب أن الذكاء الاصطناعي أصبح من ضروريات العصر، والاستفادة منه ممكنة، إلا أن هذه الاستفادة تحتاج جهداً كبيراً لجعله نافعاً غير ضار، وذلك بتزويده بالعلم الشرعي المؤصل، حتى يعطي المعلومة الصحيحة، لأنه طوع كل من يستخدمه، إن خيراً فخير وإن شراً فشر، ومع إمكان الاستفادة منه إن أدخلت فيه مدخلات صحيحة ونافعة، إلا أنه يبقى آلة بغير إدراك لدقائق الأمور التي يدركها الحس البشري الذي ينزل الأمور منازلها الصحيحة، ذلك أن الفتوى ليست مجرد نصوص أو قواعد حسابية منضبطة، بل لها مقتضيات تقتضيها دلائل النصوص الخفية التي لا تعلم إلا من خلال المشاهدة والسماع ومعرفة الملابسات والسياقات، ما يحتم أن تكون منصات الإفتاء الرقمية تحت إشراف مباشر من المفتين ومؤسسات الإفتاء، حتى لا يوضع الجواب الآلي في غير موضعه الصحيح، والمسلم يعلم أن الله تعالى وإن سخر له هذه التقنية المتطورة، إلا أنه لا يتحقق معها الرجوع إلى أهل الذكر الذين أوجب الله عليه الرجوع إليهم، فإنه وإن استنطق الذكاء فسيبقى غير متيقن ولا مطمئن له، وستبقى المرجعية العلمية البشرية هي الأساس مهما تطور الذكاء التقني.

* كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي

المصدر: الاتحاد