أنام عادة بعد أن يتصافح عقربا الساعة عند منتصف الليل، ألملم بقايا الأفكار، أطالع آخر الأخبار، ثم أسوّي وسادتي وأنام، لعلّي أحرز علامة 8/8 من الساعات المفترضة.
قبل أسبوع، وفور استيقاظي وتفقدي لحسابي على «فيس بوك»، اجتاحت صور الـ«بوكيمون» صفحات الأصدقاء جميعها، كما كان يجتاح الجراد محاصيلنا الزراعية، حاولت أن أفهم ما القصة، كوني لم ألحظ شيئاً، ولم أقرأ شيئاً جديداً، قبل ساعات قليلة، كنت أبحث عن شخص يكتب الحكاية، وماذا تعني عبارة «بوكيمون قو»، دون جدوى، لكن الجميع يتحدث عن الـ«بوكيمون قو»، والكل يتندر ويضع صوراً للـ«بوكيمون» في أماكن مختلفة مع عبارات ساخرة.. أخيراً اكتشفت أنها لعبة إلكترونية، يتم تحميلها من خلال الهاتف الذكي.
انطلقت اللعبة قبل ثلاثة أسابيع، حيث بلغت أرباحها 19 مليار دولار في 13 يوماً! بعض من قاموا بتحميل اللعبة وصفوها بأنها لعبة ساذجة، لا تستحق المتابعة أو التجريب، والبعض الآخر قالوا عنها إنها مسلية، لكنها ليست بحجم الدعاية المهولة التي رافقتها. سؤالي: من العقل المدبر في صناعة هذا الهوس العالمي؟ كيف للعبة أن تصل إلى عشرات الملايين من المستخدمين خلال أسبوع واحد؟ كيف استطاع من قام بترويج اللعبة خلق هذا الهوس بعقول المستخدمين حول العالم في ظرف أسبوع واحد، بينما نحتاج إلى شهور وشهور، وربما سنوات، حتى نقوم بإيصال تطبيق عربي أو موقع مفيد لشريحة المستخدمين؟ بمعنى آخر ما الماكينة الإعلامية الدعائية التي تقف خلف «لعبة» مثل الـ«بوكيمون قو»، والتي وصل بها الحد إلى نشرها إلى جلّ مستخدمي الإنترنت في أيام؟ وهل يمكن أن يستخدموا الطريقة نفسها في ترويجات أخرى أكثر خطورة من الـ«بوكيمون»؟
السؤال الآخر، عندما تتطلب شروط اللعبة من المشترك أن يفتح كاميرا هاتفه المحمول، والميكرفون والـ«جي بي إس»، ويغير اسم بلده إلى «إسرائيل»، كما قال بعض مستخدمي التطبيق في الشرق الأوسط، فقط ليستطيع اصطياد الـ«بوكيمون»، يكون قد كشف عن نفسه وموقعه، وسجل إحداثيات وجوده بالسنتيمتر مقرونة بالثانية. لماذا يريدون معرفة المكان بتفاصيله، والوقت والصوت أيضاً. طبعاً هذا الرأي أدلى به كثير من خبراء الاتصالات والمشتغلين بالأمور الأمنية، وشرطة دبي أول من حذر من استخدام هذه اللعبة.
هناك عبقرية وخبث هائل في صناعة الهوس، ومسح محركات الأدمغة وبياناتها، يجندونك كمندوب مبيعات مجاني، ويستخدمونك في الترويج دون أن تشعر «كما أفعل أنا الآن»، ويجنون من ورائك الأرباح. وحتى لا يظن بي البعض أني من عشّاق المفتش كونان أو المفتونين به، فسأقطع الطريق عليه وأقول: ليس شرطاً أن يكون التجسس أو التتبع في بعض التطبيقات، ومنها الـ«بوكيمون قو»، لغرض سياسي أو عسكري، ربما لغرض تجاري ودعائي، وربما لهدف لن نراه الآن، ويحتاج إلى سنوات للكشف عنه. وشخصياً أميل إلى جميع ما ذكر.
الخلاصة، تفكّروا كيف ينجحون في كل مرة في صناعة «الهوس»، وكيف نقع في المصيدة نفسها. تستطيعون أن تجدوا أجوبة لتساؤلات كثيرة، وقضايا نعيشها اليوم.
المصدر: الإمارات اليوم