كاتب وصحفي سعودي
تشعر أم صالح الهاجري بوحدة قاتلة بعد أن تزوجت ابنتها الوحيدة وغادرت مع زوجها إلى أستراليا لمتابعة دراستهما. أحست أنها أوشكت على الموت إثر فراق ابنتها وصديقتها وحبيبتها. فبعد أن رحل زوجها لم يتبق لها سوى ابنتها التي كانت تملأ حياتها ووجهها بالابتسامات. ظلت تصرف أوقاتا طويلة مع ابنتها على الهاتف، لكن الحديث معها لم يعدها إليها، بل زادها اشتياقا لها. تغلق السماعة وتفتح صنبور دموعها. تبكي بحرقة حتى تجف مياهها وتنام. ظلت شهورا عديدة على هذه الحال حتى قررت أن تقوم بمبادرة غيّرت روتينها اليومي وحياتها. استأنفت طهي الطعام من جديد بعد أن ودّعته منذ أكثر من عقدين من الزمن بعد أن استقدمت عاملة منزلية. بدأت في إعداد الطعام إلى أربعة أشخاص يومياً. وبعد أن تنتهي من تحضير وجبتها اليومية تقوم بتوزيع ثلاثة أطباق على ثلاثة منازل مختلفة كل يوم. فمرة توزعها على جيرانها. ومرة تذهب مع سائقها إلى محطة الوقود وتمنح أول ثلاثة تقابلهم طبقها الطازج. ومرات عديدة تهديها إلى حرّاس الأمن الذين يقفون بمحاذاة أبواب المباني المترامية الأطراف في مدينة الظهران.
كان الطبق الرابع هو الوحيد الذي لا يتغيّر مستقبله. يذهب هذا الطبق إلى مؤذن مسجد الحي، الذي يرقد في المستشفى منذ سنوات إثر حادث مروري.
منذ أن بدأت أم صالح في مبادرتها اليومية انقلب حالها رأسا على عقب. تحولت من سيدة حزينة إلى أخرى مقبلة على الحياة.
أثمرت مبادرتها في رسم السعادة على محياها وأعماقها. توسعت مبادرتها لتتحول إلى سلوك تقوم به جاراتها. فبعد أن كان مؤذن الحي يعاني الاكتئاب تحسّن مزاجه تدريجيا. أضحى يستقبل وجبات فرح يومية من أم صالح وجيرانها. طرد الإحباط من جوفه. عاد ليصدح مؤذنا في مسجد الحي وهو على كرسي متحرك بعد أن أحاطه جيرانه باهتمامهم وعطرهم.
تبتسم أم صالح كلما سمعت هدير مؤذنها يتدفق في أذنها من جديد. تشعر أنها كمَن أسهم في عودة نبتة إلى جذورها.
يعيش الكثير منا حالات حزن كبيرة. لكن نتناسى أنه بيدنا أن نتخلص منها أو نخفّف من حدة وطأتها لو سكبنا لحظات سعيدة على آخرين. لا شيء يطفئ الحزن كفعل الخير. إنه الماء الذي يخمد أشرس حريق.
المصدر: الإقتصادية