كاتب متخصص في الإدارة
لأول مرة في تاريخ مونديال كأس العالم، سيكون في مقدور حكام البطولة، التي تنطلق اليوم، معرفة ما إذا كانت كرة القدم قد دخلت المرمى من عدمه بالاستعانة بست كاميرا وعشرة هوائيات مخفاة زرعت عند خط المرمي، بحيث تنقل للحكم في غضون نصف ثانية إشارة، عبر سماعته، تؤكد له دخول الكرة خط المرمى من عدمه، وذلك بالاستعانة باللفافات النحاسية التي وضعت في كرة القدم الجديدة ليقرأها المجال المغناطيسي المحيط بالمرمى. ولجأ الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) إلى هذا القرار بعد الخطأ الشهير؛ حينما لم يحتسب حكم المباراة هدفا صحيحا لإنجلترا على ألمانيا في مونديال 2010، وهي القضية التي تثير إحباطات ملايين المتابعين لكرة القدم حول العالم.
وهذا القرار الذي لجأت إليه «الفيفا» جاء، فيما يبدو، بعد دراسة وتأن، حيث إنها «تدرجت» في تطبيقه في بطولات سابقة أقل مستوى لتدرس سلبياته، وها هي تطلقه اليوم رسميا ومطورا في أشهر بطولة بالعالم. وسمحت «فيفا» أيضا باستخدام الحكام «الرذاذ المتلاشي» الذي يرشه الحكم على أرضية المعلب ويختفي بعد دقيقة، لأن الهدف منه هو مكان وقوف اللاعبين أثناء الضربات الحرة. وكلنا يذكر أيضا قرارات «الفيفا» لتخفيف وزن كرة القدم ومحيطها، التي كانت في السابق ثقيلة مقارنة بالحالية، وذلك لسلامة رأس اللاعبين ولتمتعهم بنقلات وضربات أسرع وأجمل وأفضل. ودرست «الفيفا» أيضا تكبير حجم المرمى قليلا ليتمتع الجمهور بأهداف أكثر.
والمتأمل لكل هذه القرارات، يجد أنها ترتكز على عناصر أساسية في اتخاذ القرار؛ وهي ملاحظة، وتحديد المشكلة، والبحث عن حلول، وبدائل، وتقييمها، ثم محاولة تجريب الحلول على نطاق أصغر قبل الشروع في التطبيق. وهذه عناصر أساسية في اتخاذ القرار. فـ«الفيفا»، مثلا، مسؤولة عن لعبة يتابعها الملايين في العالم، وهناك أصوات تنادي بجعلها لعبة شعبية بعيدة عن التعقيد، وهذا هو منطلق «الفيفا» التي تحاول أن تطور لعبتها ببطئ، بحيث لا تخل قراراتها بمتعة اللعب والمشاهدة. ولذا، فهي قبل أن تعتمد أو تعمم القرار تجربه وتختبره على نطاق أضيق وفي مناطق مختلفة قبل أن تصدر قرارها.
وليت الزعماء والرؤساء والوزراء والمديرين في العالم العربي يتعلمون منهجية «الفيفا» في اتخاذ القرارات، التي تتسم بالتأني المدروس لأنها تريد أن تقدم حلولا تفيد وتطور بالفعل هذا اللعبة الشعبية. ومن هذا المنطلق، فإنني أستغرب كيف يتسرع وزير أو رئيس حكومة في إقرار أو نسف نظام تعليمي أو صحي أو اجتماعي على عجالة، ناسيا أنه يرتكب جريمة بحق ملايين الناس، لأنه لا يريد أن يستعين بمتخصصين أو أن الوقت يداهمه «فيسلق» قراره كما تسلق البيضة.
نحن نعيش في عصر التخصص، وأصبحت مؤسسات العالم المعتبرة قبل أن تتخذ القرار تذهب إلى المختصين ليرشدوهم إلى أفضل الخيارات المتاحة، لا إلى البطانة المنافقة أو المتسرعة حتى لا نعيد اكتشاف العجلة من جديد. فهل من مُدّكر؟
المصدر: الشرق الأوسط