كاتب سعودي
يشير العنوان أعلاه New Silk Road إلى المشروع الأميركي الجديد لأفغانستان ومنطقة آسيا الوسطى عشية الخروج المرتقب للقوات الأميركية من المنطقة نهاية هذا العام. أنفقت الولايات المتحدة على إعادة إعمار أفغانستان ما يقارب من 100 مليار دولار لتصبح أفغانستان صاحبة أكبر مشروع إعادة إعمار في العالم، حيث يتجاوز هذا الرقم (بحساب التضخم) ما أنفقته الولايات المتحدة على مشروع مارشال لإعادة إعمار أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، لكن حتى الآن دون مستوى نتائج مشروع مارشال بكثير.
يهدف مشروع “طريق الحرير الجديد” إلى إنشاء منطقة تجارة حيوية بين دول آسيا الوسطى وأفغانستان وجعل دول المنطقة أكثر اتصالا ببعضها interconnected من خلال إلغاء الحواجز الحدودية للتجارة trade barriers فيما بينها وتحفيز الأداء البيني لتلك الدول كمجموعة اقتصادية. هذا المشروع الذي يستدعي مسمى طريق التجارة الأهم والأشهر في العالم القديم الذي امتد من الصين إلى شرق أوروبا عبر العالم العربي يعتمد على مكونين رئيسيين: الأول: مادي، يعتمد على مشاريع تحسين البنية التحتية للنقل والاتصالات والطاقة في المنطقة بهدف ربط دول المنطقة بشبكة من وسائل الاتصال والمواصلات والطاقة اللازمة لأي مشاريع تنمية مستقبلية. الثاني: إجرائي، يعتمد على تطوير القوانين والأنظمة والممارسات التجارية التي ستسمح للبضائع والخدمات للانتقال بسلاسة وكفاءة بين دول المنطقة من جهة، وبينها وبين العالم من جهة أخرى.
أورد بنك التنمية الآسيوي Asian Development Bank في تقرير له أن التجارة البينية الإقليمية لتلك المنطقة نمت بمتوسط 21% بين عامي 2001 و2011، إلا أن منطقة آسيا الوسطى تظل مع ذلك أقل مناطق العالم المتداخلة اقتصاديا economically integrated ، حيث مثلت حجم التجارة العالمية للمنطقة مجرد 6,2% من حجم التجارة العالمية. قامت الولايات المتحدة خلال الفترة الماضية ببناء وإعادة تأهيل 3 آلاف كيلومتر من الطرق في أفغانستان، إضافة إلى المساعدة في إنشاء هيئة سكك حديد ووضع خطة شبكة سكك حديدية وطنية. كما قامت بإنجاز شبكة اتصالات كابلات ضوئية “فايبر- أوبتك” fiber-optic بطول 4 آلاف كيلومتر في أفغانستان. وأيضا تضمن مشروع خطوط نقل وتوليد طاقة هيدروليكية hydropower بقيمة ملياري دولار.
صرحت مساعدة وزير الخارجية الأميركي لشؤون جنوب ووسط آسيا لين ترايسي في 25 أكتوبر الماضي أن أفغانستان أصبحت اليوم أكثر اتصالا بالعالم من خلال الإعلام والإنترنت والتجارة مما كانت عليه في التسعينات، وأن القطاع الخاص في أفغانستان يمكن له أن يكون المحرك نحو تنمية اقتصادية طويلة المدى. هذه التصريحات توضح حقيقة المسعى الأميركي عقب مغادرة المنطقة، فنقطة القوة الأميركية طالما تمثلت في فكرة العولمة وآليات استخدامها وترويجها، ما يطلق عليه بعض المفكرين “بالدين الأميركي الجديد”. فرؤية الولايات المتحدة تنطلق من فرضية مفادها أن نشر قيمها المتعلقة بالتجارة العالمية وحرية الأسواق والاتصال كفيلة بتحويل أوضاع الدول تلقائيا ومن ثم تقريب الشعوب وتخفيف المخاطر الأمنية. مشروع طريق الحرير الجديد لا يتعلق فقط بأفغانستان وإنما بالمنطقة ككل. فرؤية المشروع تتضمن بناء خط أنابيب إقليمي من تركمانستان الغنية بالغاز الطبيعي إلى كل من أفغانستان وباكستان المتعطشتين للطاقة TAPI pipeline. كما يتضمن مشروع توليد ونقل الكهرباء كاسا -CASA-1000 الذي تبلغ تكلفته حوالي مليار دولار ويمتد على طول 1200 كيلومتر لنقل فائض الكهرباء من قيرغيزستان وطاجيكستان إلى أفغانستان وباكستان، مما سيسهم في دفع التنمية في كل تلك الدول.
تأمل الولايات المتحدة من خلال تخفيض تكلفة التجارة بين دول تلك المنطقة في تحفيز اقتصاد المنطقة ككل وإنشاء مناخ دافع للاستقرار والأمن، ويدل على ذلك سعيها لمحاولة ضم دول المنطقة لمنظمة التجارة العالمية، فضم تلك المنطقة لمنظومة التجارة العالمية كفيل – من وجهة النظر الأميركية – في تقريبها للمعسكر الغربي بشكل عام أو على الأقل إيجاد المرتكزات التي يمكن لطبقة سياسية جديدة في تلك الدول الاعتماد عليها. بصورة أخرى سيعمل هذا المشروع – من وجهة نظر واضعيه – على إدخال تلك الدول في ما يعرف اصطلاحا بـ”عصر السلام الأميركي” ومن جهة أخرى تقليل اعتمادها على روسيا ماليا وعلى حقبة الاتحاد السوفييتي تقنيا، وتقليل فرص ارتباطها بالصين تجاريا، وذلك من خلال إتاحة الارتباط بشكل أوثق برأس المال والتقنية والشركات الأميركية.
منطقة وسط آسيا، وأفغانستان تحديدا كانت المسرح لأول حرب باردة بين القوى العظمى في العصر الحديث أو ما عرف حينه بـ”اللعبة الكبرى” بين كل من بريطانيا وروسيا القيصرية، والتي جعلها الكاتب والشاعر البريطاني روديارد كيبلنغ خلفية لقصته الشهيرة “كيم” Kim. هذه اللعبة الكبرى تعود اليوم بصيغة مغايرة بين الولايات المتحدة وروسيا في سعي للوصول لآخر منطقة منعزلة عن الدخول في شبكة العالم الحديث.
لكن مشروع طريق الحرير الجديد يواجه عددا من المصاعب وعلى رأسها الوضع الإقليمي نفسه، فمنطقة وسط آسيا هي المنطقة الوحيدة بعد العالم العربي التي تعد حدودها اصطناعية، حيث قام ستالين وقادة الاتحاد السوفييتي برسمها في ثلاثينيات القرن الماضي، وبطريقة تهدف لمنع أي دولة من الدول الخمس المشكلة للمنطقة من الحصول على مصادر للقوة تجعلها متفردة على بقية الدول الأخرى. يظهر هذا الأمر في خطوط الحدود المستقيمة بين كازاخستان وأوزبكستان أو في تقسيم وادي فرغانة الغني بثرواته بين ثلاث دول (أوزبكستان وطاجيكستان وقرغيزستان) بطريقة معقدة لا تعكس أي تجمع إثني طبيعي لشعوب المنطقة على الرقعة الجغرافية.
قام ستالين من خلال رسم خريطة المنطقة بتقسيم مصادر الثروة الطبيعية بين دولها، فجعل كل من طاجيكستان وقرغيزستان على منابع الأنهار الرئيسية ومنح أوزبكستان وكازاخستان وتركمانستان مصادر الطاقة من النفط والغاز، هذا الأمر جعل التشابك بين دول المنطقة أكبر من أن يحل، واليوم تعارض أوزبكستان مشروع طريق الحرير الجديد كونه سيعتمد بشكل كبير على بناء محطات توليد طاقة هيدرولوكية في قرغيزستان وطاجيكستان مما يعني بناء سدود تؤثر على حصتها من المياه (ثلث الاقتصاد الأوزبكي يعتمد على الزراعة).
روسيا من طرفها وجدت فرصة للدخول على خط التوجهات الأميركية اعتمادا على إرثها السوفييتي في المنطقة وملاءتها المالية، فدعمت مشاريع بناء محطات توليد الطاقة في قرغيزستان (مشروع كامباراتا -1 المزمع أن يولد 1900 ميغاوات بتكلفة 3 مليارات دولار) وكذلك دخلت من خلال شركة غازبروم الروسية على خط إمدادات الغاز في المنطقة من أوزبكستان وتركمانستان الغنيتين بالنفط والغاز لقرغيزستان وطاجيكستان. بما يجعل محصلة الأمر في النهاية لعبة تجاذبات بين الولايات المتحدة وروسيا في المنطقة عدا عن الدور الصيني والهندي وحتى الإيراني الباحث عن موطأ قدم هناك من خلال تجمعات الشيعة في كل من طاجيكستان وغرب أفغانستان. وفي نهاية المطاف تطرح الرؤية العامة لمشروع طريق الحرير الجديد عدة ملاحظات تتعلق بالمملكة ومصالحها في تلك المنطقة وفي هذا التوقيت بالذات:
1- ما دور بنك التنمية الإسلامي في تمويل تلك المشاريع مقابل دور بنك التنمية الآسيوي وبرنامجه للتعاون الاقتصادي لمنطقة وسط آسياCentral Asia Regional Economic Program – CAREC؟ علما أن المملكة ممول رئيس لبنك التنمية الإسلامي.
2- لماذا لا تستفيد المملكة من فوائضها المالية في لعب دور بتلك المنطقة بمثابة تحوط سياسي hedge أمام كل من روسيا والصين والولايات المتحدة وتخلق لها كروت تقاوض من خلال تمويل مشاريع تنموية في تلك المنطقة؟
3- لماذا لا تسابق المملكة إيران في تلك المنطقة وتخلق لها مساحات تقارب أكبر مع روسيا؟.
إن ما تكشفه إجابات هذه الأسئلة هو تأخرنا في إعداد خطة رئيسية (ماستر بلان) Master Plan لسياستها في منطقة وسط آسيا، وهو ما يمثل علامة استفهام كبيرة.
المصدر: الوطن أون لاين
http://www.alwatan.com.sa/Articles/Detail.aspx?ArticleID=22932