أكد الشيخ عبدالله بن بيه، رئيس مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي، ورئيس منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة ضرورة الارتقاء بتأصيل مفهوم المواطنة العلمي، من كونها شراكة تعاقدية، إلى مستوى المؤاخاة الإنسانية المتكاملة بالسراء والضراء، المكفولة بالقوانين والدساتير، وبشكل ملزم على مستوى العالم.
جاء ذلك ضمن كلمة بن بيه خلال افتتاح المرحلة الأولى من «حوارات المواطنة الشاملة» في أبوظبي، التي ينظمها منتدى تعزيز السلم، بالشراكة مع وكالة «ويلتون بارك» التابعة لوزارة الخارجية والكومنولث البريطانية، ومركز «كساب» للحوكمة الثقافية اللبنانية.
وتمحورت كلمه بن بيه حول 4 منطلقات، الأول في بيان منطلق مشاركة منتدى تعزيز السلم والتعريف بإعلان مراكش، والثاني حول مقومات المواطنة في إعلان مراكش، والثالث حول المبادئ المؤطرة لحقوق المواطنة، والرابع حول سب المقدّس وضرورة مراجعة مفهوم حرية التعبير، ملاحظاً أن حوارات المرحلة الأولى في أبوظبي، هي لمناقشة كيفية تعزيز المواطنة الشاملة في البلدان ذات الأغلبية المسلمة في الشرق الأوسط، للخروج بتصور مؤصل للمواطنة الشاملة، مستمد من النصوص الدينية، ومراع للسياق الحضاري المعاصر، المتمثل في الدساتير الوطنية والمواثيق الدّولية، فضلاً عن السعي لتقديم تشخيص دقيق للعراقيل والتحدّيات التي تحول دون تحقيق هذا المفهوم الشامل للمواطنة، والعقبات التي تعترضه في بلدان الشرق الأوسط.
وبشأن مقومات المواطنة الشاملة في إعلان مراكش، قال بن بيه «إن المواطنة في الماضي كانت تقوم على العرق أو الدين أو التاريخ المشترك، إلا أنها في العصر الراهن أخذت منحى تعاقدياً في إطار تعدُّدي أو ما يسمِّيه هابرماس بالمواطنة الدستورية، أي شعور الفرد بانتمـائه إلى جمـاعة مدنية مؤسسة على عقد مواطنة يسوي بين الجميع، ما يعني أن المواطنة رباط أو رابطة اختيارية معقودة في أفق وطني يحكمه الدستور».
وأضاف: «لقد سعينا من خلال إعلان مراكش إلى تأصيل هذا المفهوم الجديد للمواطنة انطلاقاً من صحيفة المدينة المنورة بوصفها أساساً صالحاً للمواطنة التعاقدية في المجتمعات الإسلامية، وخياراً يرشّحه الزمن والقيم؛ لتفعيل المشترك الإنساني وتحييد عناصر الإقصاء والطرد».
وشدد الشيخ بن بيه على ضرورة مراجعة كثير من المفاهيم المرتبطة بالمواطنة، مثل مفهوم حرية التعبير إذ لا بد من ربط عنوان الحريات الدينية بالسلم الاجتماعي، وربط مبدأ حرية التعبير، الذي أصبح مبدأ مقدساً في الحضارة السائدة، بمبدأ المسؤولية عن نتائج التعبير.
واستعرض بن بيه عدداً من الأمثلة على تقييد الحريات بمبدأ النظام العام في التراث القضائي الغربي، منوها إلى سياسة دولة الإمارات في ترسيخ مبادئ المواطنة التي تتسم بالواقعية في مراعاة خصوصية السياق المحلي وبوضوح الهدف، ويتجلى ذلك بوضوح في سنّها القانون الاتحادي رقم 2 سنة 2015، والذي يتعلق بمكافحة التمييز وخطاب الكراهية وازدراء الأديان ويعمل على تحصين المجتمع وحمايته من خطابات الكراهية والتحريض على العنف وزعزعة السكينة والسلم الاجتماعي.
وختم الشيخ بن بيه بتطلعه إلى تتويج هذه اللقاءات بمؤتمر دولي يعقد في عاصمة السلام أبوظبي حول المواطنة الشاملة تحت عنوان «ميثاق أبو ظبي العالمي للمواطنة».
سعادة
وتحدث اللورد طارق أحمد وزير الحريات الدينية في الكومنولث البريطاني، معرباً عن سعادته بالمشاركة في حوارات «المواطنة الشاملة» لأنه يعمل في مجال الحريات على كل المستويات، وأنه يأمل برؤية رجال الدين يلعبون دوراً في صياغة النواميس السياسية، لأن القيم والتقاليد الدينية تلعب دوراً مهماً في الوئام والانسجام المجتمعي. وقال إن المواطنة الشاملة تعني الجميع بكل أجناسهم وثقافاتهم، وهذا ما يشكل المملكة المتحدة، التي رسخت قوانينها على المساواة بين جميع البشر من دون تمييز.
قيمة أخلاقية
بدوره تحدث محمد بن عبد الكريم العيسى أمين عام رابطة العالم الإسلامي أن المواطنة عقد سياسي واجتماعي، نجد تفاصيله الآمرة في أحكام الدستور كما نجد رُوحه الوجدانية المُلهمة (طواعيةً) في محاضن الأُسرة والتعليم، التي عليها رهان الكبير في تحقيق قيم المواطنة، مضيفاً أن برامجُ المواطنة عندما تعتمد ترسيخَ مبادئها العليا، كقيمةٍ أخلاقيةٍ داخل نسيج المجتمع الواحد، فإنها تأتي بالنتائج المنشودة في مواجهة تحدي الفجوات والفوارق في مجتمعات التنوع الديني والثقافي والعرقي.
وخلص العيسى إلى جملة من الأفكار والتصورات في هذا الشأن أبرزها تعزيز المناهج التعليمية بالمواد الداعمة للمواطنة بواسطة أساليب قادرة على مخاطبة وإقناع التنوع الوطني، ومن ذلك ترسيخُ القناعة بأن القيم الوطنية ومختلف المفاهيم الدينية تؤكد على تعزيز لُحمة المواطنة والدعم الحكومي والأهلي للفعاليات التي تهدف لتعزيز قيم المواطنة والاندماج، ومن ذلك إشراك الأقليات، وخاصة قياداتها جنباً إلى جنب مع غيرها في كل الملتقيات الوطنية وتفويت الفرصة على أصوات الكراهية والإقصاء.
مفاهيم جديدة
كما تحدث الدكتور عبدالله المعتوق المعتوق المستشار في الديوان الأميري في دولة الكويت، فقدم مقاربة عن مفهوم المواطنة تنهل من روح الإسلام، باعتبار المواطنة شكلاً من أشكال تكريم الإنسان؛ كما نص بذلك القرآن الكريم، كما عبرت عنها دول الإسلام الأولى التي أسسها النبي محمد ــ صلى الله عليه وسلم ــ في المدينة المنورة، منتهياً إلى حقيقة أن التنوع الديني والثقافي ليس مجالاً للاختلاف، وإنما فضاء رحب للتعايش والائتلاف، فالمواطنة في المفهوم الإسلامي، حسب القرآن والسنة وسيرة، تضمن لجميع المواطنين حقوقهم وتحفظ كرامتهم وتصون ممتلكاتهم.
من جهته تحدث الدكتور فادي ضو رئيس مؤسسة «أديان» اللبنانية، فلاحظ أن انطلاق حوارات المرحلة الأولى من «المواطنة الشاملة»، تتزامن مع الاحتفاء بمرور مئة عام على الحرب الكونية الأولى، الأمر الذي يؤكد مرة أخرى ضرورة تعزيز ثقافة التنوع وترسيخ مفاهيم المواطنة الشاملة في السلوك العام في كل المجتمعات البشرية، وعبر عن قناعاته بأن الشراكة مع منتدى تعزيز السلم وويلتون بارك في حوارات اليوم ستخلص إلى مفاهيم جديدة للمواطنة.
إلى ذلك تحدث المطران يوسف مرقس باسم مسيحي العراق، الذين كان عددهم حتى 2003 نحو مليون ونصف شخص، ولم يبقَ منهم اليوم أكثر من 350 ألف شخص، بسبب طوفان الكراهية الذي ضخه تنظيم داعش الإرهابي.
تنمية
ولاحظ فيصل بن معمر رئيس مركز الملك عبدالله لحوار الحضارات أن هناك مفهومين للمواطنة، مفهوم الغرب العلماني، ومفهوم الشرق المتدين، ما يستدعي الجمع بينهما بآلية علمية عقلانية إبداعية، تستطيع أن تقدم المواطنة المشتركة، بوصفها ثقافة للاستقرار والتنمية والازدهار، فالقصور في إدراك المواطنة المشتركة يشكل خطراً على الجميع، وعلى الجميع أن يتكاتفوا لغرس ثقافة الشراكة في الوطن والانتماء.
التجربة المصرية
تحدث الشيخ أسامة الأزهري في ختام فعاليات اليوم الأول، وقدم عرضاً للتجربة المصرية بشأن مفهوم المواطنة، بالمعنى الإسلامي، ولا حظ الأزهري أن تيارات التطرف لم تكتفِ بنقض العهود وقتل التعايش، وإنما اعتدوا أيضاً على المفاهيم، فخرج الإخوان المسلمون على الناس بفكرة موت الوطن، فصار الوطن حفنة من تراب مرة، وأخرى هي شعور مرفوض، وخلص إلى أن تدمير فكرة الوطن تؤدي إلى تدمير ثقافة المواطنة، ولذلك لا بد من العودة إلى ثقافة الإسلام.
المصدر: البيان