عشرة على عشرة!

آراء

خاص لـ هات بوست:

     على أعتاب اليوم العالمي للصحة النفسية 10/10، وبصرف النظر عن الشعار والرسالة التي يحملها كل عام، يبقى النداء العام والفائق الأهمية: لنعتنِ بعقولنا كما نعتني بأجسادنا.
ثمة مفارقة مؤلمة يعيشها العالم اليوم؛ لم يسبق أن توفّر هذا الكمّ من وسائل الراحة، ومع ذلك لم يسبق أن شعر الإنسان بهذا القدر من الإنهاك والاحتراق الداخلي.
يمكن أن نعزو ذلك ببساطة إلى تسارع وتيرة الحياة وضغوط العمل والانْعزال الاجتماعي، والأوضاع الاقتصادية والسياسية والإنسانية العصيبة، من كوارث ومعارك وحروب وخيبات، ناهيك عن تزايد التعرّض لعشوائيات المحتوى الرقمي الذي سبق وتحدثنا عنه. ويمكن أن نضيف إليها هنا البون الشاسع بين عالمٍ وهميٍّ برّاق يستعرضه البعض، وواقعٍ مغايرٍ قاتم يعيشه البعض الآخر، فيغرق في بحرٍ من المقارنات والضيق والقلق والاكتئاب.

تحضرني الآن مقولة الكاتب السوداوي فرانز كافكا:

«ليس الجنون أن تكون مريضًا، بل أن تتظاهر بالعافية في عالمٍ ينهار من الداخل.»

ولعله لخص بذلك جوهر المعاناة المعاصرة، حين يضطر البعض إلى إخفاء هشاشته خلف واجهة من القوة المصطنعة، وينسى أن في الاعتراف بالضعف في مثل هذه الأوضاع شجاعةً تامة.
لكن المؤسف أن الوصمة لا تزال تحاصر من يطلب المساعدة النفسية في بعض المجتمعات؛ فرغم تزايد الوعي، يبقى الاعتلال النفسي نقيصة يتحرج منها من تربّى على الصبر والكتمان وربط المعاناة النفسية بالضعف أو قلة الإيمان.

وإن كانت تطالعنا أجيال حديثة، تكاد تكون على النقيض من ذلك، تتمتع بوعي وثقة وسعة اطلاع. اهتمت ابنتي الكبرى من عمرٍ مبكّر جدًّا، بعلم النفس وقرأت فيه كثيرًا رغم بُعده عن مجال تخصّصها في جيولوجيا الأرض وعلوم الفضاء، تبدي تعاطفًا كبيرًا وتفهّمًا لكل مشاهد المعاناة النفسية. وقد تشخّص بطريقة كوميدية حتى حالة السيارات في ازدحامٍ مروريٍّ خانق: فهذه المركبة تعاني من اضطراب فرط الحركة، وتلك غارقة في اكتئاب حاد، وهذه الأخيرة مصابة بوسواسٍ قهريٍّ جَلِيّ.

نضحك ونُسلّي فضاء الانتظار، لكننا ندرك حساسية الأمر وأنه ليس مزحة. يلزمنا توازنٌ بين أجيالٍ سابقة تتحرج، وأجيالٍ لاحقة يكاد بعضها يتباهى بالهشاشة النفسية وسرعة العطب.

لتكن الصحة النفسية والرفاه المجتمعي، وتيسير الوصول إلى المساعدة الطبية والدعم النفسي المطلوب، أولويةً لدى الجميع؛ فلا يمكنني تصور ما هو أشدُّ تأنيباً للضمير من إدراكٍ مفجعٍ، بعد فوات الأوان، لأوجاعٍ استُخفَّ بها فقط لأنها غيرُ مرئية.

يُنسب إلى سيلفيا بلاث، التي أنهت حياتها على نحوٍ بائس بعد معاناة طويلة، قولها:

«لم أكن أريد الموت، كنت أريد فقط أن يتوقف الألم.»