علاقات الجاسوس القطري «المختفي» من السجون العراقية بجاسوس إسرائيلي

أخبار

في ظروف غامضة، اختفى عبد‏‭ ‬العزيز ‬علي ‬عبدالله ‬سلمان، «قطري ‬الجنسية»، ‬المحكوم عليه ‬بالسجن ‬المؤبد ‬لإدانته ‬بالصوت‭ ‬والصورة ‬بالتجسس ‬لمصلحة ‬المخابرات ‬القطرية ‬مع ‬اثنين ‬من ‬العراقيين ‬يعملان ‬في ‬جهاز ‬المخابرات ‬السابق. قد تبدو القضية حتى الآن غير مثيرة، وليست لها تبعات أخرى، لكن قيادات في أجهزة أمنية وأحد أساتذة الجامعات العراقية، كان من المقربين لأحد العراقيين ممن ألقي القبض عليهم مع الجاسوس القطري، أكدوا لـ «الاتحاد» رواية متقاربة في أحداثها عن هذا الموضوع، حيث تشير تلك المصادر إلى أن عبد العزيز التقى في أحد مطاعم بغداد في منطقة المنصور بأكاديمي عراقي كان يعمل في جهاز المخابرات في زمن صدام، وتحدثا عن المشاريع والاستثمارات التي يريد القطري فتحها في العراق، وفي إقليم كردستان.

تكررت تلك اللقاءات في بغداد وأربيل، وتجدد اللقاء في مطعم فخم في أربيل مع شخص «ا – ن»، وهو إسرائيلي سبق أن نفّذ‏‭ ‬عمليات ‬ميدانية ‬في ‬سوريا ‬ولبنان ‬والعراق ‬واليمن ‬وأفغانستان ‬وأماكن ‬أخرى،‭ ‬وعمليات ‬تدريب ‬لمقاتلين ‬على ‬الأسلحة ‬والاغتيالات ‬وتجنيد ‬أشخاص ‬لمصلحة ‬جهاز ‬المخابرات ‬الإسرائيلية ‬وجمع ‬معلومات، ‬وتنقّل ‬في ‬السنوات ‬الأخيرة ‬بين ‬العراق‭ ‬وقبرص‭ ‬وتركيا ‬والأردن ‬والشمال ‬السوري ‬والجولان ‬السوري. ‬ومؤخّراً، ‬ظهر «‬ن» ‬في ‬كردستان ‬العراق ‬على ‬خطوط ‬التمّاس ‬إلى ‬جانب ‬قوات ‬البيشمركة‭ ‬العراقية، ‬وكان ‬يلتقي ‬بأشخاص ‬من ‬قطر ‬بين ‬فترة ‬وأخرى، ‬حسب ‬المصادر، ‬وبدأ ‬مع ‬هؤلاء ‬الأشخاص ‬بالتعاون ‬لافتتاح ‬شركات ‬والتعاون ‬مع ‬شركات ‬أخرى، ‬هذا ‬كان ‬بين عامي ‬2010 ‬و2011‬.

وتشير مصادرنا الخاصة إلى أن الجاسوس القطري لم يكن الوحيد الذي يجول في الأراضي العراقية دون أن يلتفت إليه أحد في تلك الفترة، بل سبقه العديد من الأشخاص الذين، وعلى ما يبدو لم يكشف عن قضاياهم لحد الآن لعدم كفاية الأدلة أو لعدم وجود شكوك حول وجودهم، وتؤكد المصادر أن الجاسوس القطري التقى في أربيل بأجانب قد يكون الجاسوس الإسرائيلي من بينهم.

وأبلغتنا مصادر من سجن التسفيرات التابع لوزارة الداخلية، بما لا يقبل الشك، أن هناك عدداً من الإرهابيين ممن تم إلقاء القبض عليهم قد تم تهريبهم من السجن في عمليات تهريب كبرى شهدها عاما 2013 و2014.

وأوضحت المصادر أنه عشية اجتياح «داعش» مدينة الفلوجة مطلع 2014 ثم عشية اجتياحه‏‭ ‬مدينة ‬الموصل ‬وسائر ‬المناطق ‬الغربية ‬من ‬البلاد ‬في يونيو ‬2014، ‬وقعت ‬سلسلة‭ ‬هجمات ‬مسلحة ‬على ‬عدد ‬من ‬السجون ‬في ‬العاصمة ‬بغداد ‬والمدن ‬الأخرى، ‬بعضها ‬في‭ ‬محافظات ‬الجنوب، ‬أسفرت ‬عن ‬إطلاق ‬سراح ‬المئات ‬من ‬الإرهابيين ‬الخطرين، ‬بينهم‭ ‬قياديون ‬في ‬المنظمات ‬الإرهابية، منهم قطريون. ‬وكان ‬المسلحون ‬الذين ‬هاجموا‭ ‬تلك ‬السجون ‬قد ‬تلقّوا ‬تسهيلات ‬لوجستية ‬ذات ‬قيمة ‬بالغة ‬داخل ‬السجون ‬وخارجها.‭

وقصة القطري الذي كان ينشط في العراق بوصفه رجل‏‭ ‬أعمال ‬أُلقِي ‬القبض ‬عليه ‬في ‬‬2012 ، ‬ودانه ‬القضاء ‬في ‬‬2015 بالتجسس ‬لمصلحة ‬المخابرات ‬القطرية، ‬وحكمت ‬عليه ‬محكمة ‬الجنايات ‬المركزية‭ ‬بالسجن ‬المؤبد، لكنه ‬اختفى ‬في ‬ظروف ‬غامضة ‬من ‬سجنه ‬في ‬تسفيرات ‬وزارة‭ ‬الداخلية ‬بعد ‬مدة ‬قليلة ‬من ‬تمييز ‬الحكم ‬عليه ‬وحصوله ‬على ‬الدرجة ‬القطعية‭ ‬بالإدانة.

العراقيون ممن ارتبطوا مالياً ومعلوماتياً، وفق مصادر «الاتحاد» كانوا يقدمون الدعم المالي لمنظمات إنسانية قطرية وبأسماء أشخاص من قطر وتركيا والعراق، منها جمعية مبادرون للتنمية والإغاثة القطرية وشركات مثل زسكو والكفيل، فيما تم افتتاح مخيمات للنازحين باسم منظمات أخرى في مناطق خانقين ودوكان وجميعها تقع في إقليم كردستان.

وبدأ رجال أعمال آخرون من قطر بمفاتحة الحكومة العراقية، باعتبارهم يرغبون في المشاركة في تطوير‏‭ ‬الاقتصاد ‬العراقي، ‬والمساهمة ‬في ‬تطوير ‬البنى ‬التحتية ‬المتهالكة ‬بسبب ‬الظروف‭ ‬التي ‬مرت ‬بها ‬البلاد ‬منذ ‬الحرب ‬العراقية ‬الإيرانية ‬وحتى ‬الآن، ‬ومن ‬هنا ‬وجهت ‬وزارة ‬النفط ‬العراقية ‬دعوة ‬رسمية ‬إلى ‬الشركات ‬القطرية ‬لفتح آفاق‭ ‬جديدة ‬للتعاون ‬في ‬المجال ‬النفطي ‬للاستثمار ‬في ‬حقول ‬النفط، ‬وكذلك ‬استثمار‭ ‬الغاز ‬المصاحب ‬للإنتاج ‬الذي ‬يهدره ‬العراق ‬منذ ‬سنوات ‬طويلة، ‬وتقدر ‬خسائره‭ ‬اليومية ‬بـ ‬7 ‬ملايين دولار.

وعلى مستوى قطاع السكن، قامت شركة الدوحة للاستثمار ببناء مجمع‏‭ ‬الدوحة ‬السكني ‬في ‬محافظة ‬المثنى ‬جنوب ‬العراق ‬يتألف ‬من ‬420 ‬وحدة ‬سكنية‭ ‬بقيمة ‬65 ‬مليون ‬دولار، ‬وعمل ‬في ‬المشروع ‬حوالي ‬500 ‬عامل ‬من ‬مدن ‬الجنوب ‬وعلى ‬مستوى ‬قطاع ‬الاتصالات شركة ‬آسيا ‬سيل‭ ‬التي ‬تمتلك ‬شركة ‬أوريدو ‬القطرية ‬نسبة ‬64% ‬منها؛ ‬لذلك ‬كان ‬تحرك ‬المخابرات ‬القطرية ‬عبر أوجه ‬عدة ‬في ‬دعم ‬منظمات ‬إرهابية ‬بعينها، ‬والتوغل ‬في ‬كل ‬المحافظات ‬عبر ‬مشاريع ‬مختلفة ‬والكلام ‬مازال ‬للمصادر.

نسبة من أرباح تلك الشركات كانت تذهب لأشخاص بعينهم لم تكشف مصادرنا عنهم، لكنها أكدت أن مبالغ هائلة تم تداولها وفتح شركات صغيرة لتمويل أشخاص يديرون أعمالاً في العراق.

وكان صافي الأرباح لشركة اوريدو مثلاً، خلال الأشهر التسعة الأولى من 2016، 79 مليون‏‭ ‬ريال ‬قطري، ‬وقبلها ‬152 ‬مليون ‬ريال ‬قطري ‬في ‬الفترة ‬ذاتها ‬من ‬2015‬، ‬ذهب ‬منها ‬للتداول ‬بين ‬الأشخاص ‬حوالي ‬50 ‬مليون ‬ريال ‬قطري ‬داخل ‬العراق.

وفي قطاع المصارف، حقق مصرف المنصور الذي يمتلك‏‭ ‬QNB‭ ‬نسبة ‬51% ‬من ‬رأس ‬ماله،‭ ‬خلال ‬الربع ‬الأول ‬من ‬عام ‬2016 ‬أرباحاً ‬تقدر ‬قيمتها ‬6.7 ‬مليار ‬دينار ‬عراقي،‭ ‬بينما ‬يبلغ ‬رأسماله ‬250 ‬مليار ‬دينار، ويعمل به ‬250 ‬موظفاً ‬موزعين على ‬كل ‬أنحاء ‬العراق ‬في ‬عشرة ‬فروع، ‬منها ‬أربعة داخل ‬العاصمة ‬بغداد ‬وستة ‬فروع ‬منتشرة ‬على‭ ‬المحافظات ‬العراقية، ‬ويعتبر ‬مصرف ‬المنصور ‬من ‬المصارف ‬المهمة ‬التي ‬تحتل‭ ‬المراتب ‬الأولى ‬في ‬العراق.

واستخدمت قطر بشكل أو بأخر تلك الشركات والمصارف كمقرات ومراكز تجسس أثناء تنفيذ المشاريع والتي ستكون مدتها الزمنية‏‭ ‬مفتوحة ‬بموجب ‬خلق ‬مشاكل ‬وقضايا ‬عالقة ‬من ‬أجل ‬هذه ‬المشاريع ‬مما ‬يعوق ‬إنهاء‭ ‬هذه ‬المشاريع ‬خلال ‬المدة ‬الزمنية ‬المتفق ‬عليها‭ ‬.

وتشير المصادر إلى أن قضية الجاسوس القطري أُثيرت بالشكل الذي أثيرت به للتغطية على عشرات الجواسيس المنتشرين في الأراضي العراقية، وأن عملية تهريبه لم تكن إلا من أجل إخفاء الكثير من الأدلة المتعلقة به.

الأموال القطرية ما زالت متحركة في العراق بالشكل الذي يوفر غطاءً مالياً محكماً للكثير من المستفيدين منه من المنظمات الإرهابية في داخل وخارج العراق مع وجود بيئة رخوة أمنياً تمكنت من خلال تلك البيئة الكثير من الشركات ذات الواجهة الإنسانية أو الاقتصادية من التغطية على عملها الحقيقي، وهو دعم المنظمات لخلخلة امن المنطقة.

ورغم محاولات بعض الجهات البرلمانية أو الحكومية العراقية السيطرة على هذا الأمر، فإنه يبدوا صعبا للغاية حسب تقديرات مراقبين مع حدود شبه مفتوحة وشركات تعمل بلا غطاء قانوني أو محاسبة.

المصدر: الاتحاد