كاتب إماراتي
كان الجميع يحترمونه بشكل استثنائي في الفريج.. حين تقام مناسبة معينة، فهو أول من توجه إليه الدعوة.. حين تصادف سيارتك سيارته في تقاطع داخلي، فعليك أن تقف، لأن الواجب يحتم أن يمر هو أولاً.. حين يغيب الإمام يدزه الشيبان من الخلف ليتقدم.. حين يموت أحد الجيران تقوم الجموع بمساعدته للنزول إلى اللحد مع إخوان الفقيد.. حين نجلس على (الدكة) ويمر فنحن لا نكتفي بالسلام أو رد السلام، بل نقف جميعاً دون أن ننظر في عينيه..
هو ليس أعلى منا شأناً.. أو أقوى منا نسباً.. ولا يمتلك ثروة كبيرة.. وليس ابن أحد الهوامير.. ليس عضواً في شركة عقارية.. ولا في محفظة أسهم، وليست لديه ابنة جميلة.. كل ما في الأمر أنه على عكس جميع أبناء الفريج خريج (علمي).. بينما تقضي الأعراف الاجتماعية بأن أي شخص يحترم نفسه، ويريد الحفاظ على عائلته من الحسد، عليه ألا يختلف عن عوام السكان، ويلتحق بـ(الأدبي) لكي لا يكون قليل الأدب! لهذا كنا جميعاً ننظر إليه تلك النظرة بما تحمل من تقدير وتبجيل.. إنه خريج (علمي).. أي أنه (عالم) إلا ربعاً.. وربما (عالم) ونص!
* * *
ذكرت نشرة أخبار الساعة، الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية في أبوظبي، أن عدد الخريجين في الأقسام الأدبية في المدارس، بلغ أربعة أضعاف خريجي الأقسام العلمية تقريباً.. أي أن هناك واحداً من كل خمسة طلاب سيكون (فلتة) مثل ربيعنا.. ومن ناحية أخرى فإن اقتصاد المعرفة بحسب رؤية 2021، قائم على التخصصات العلمية والتكنولوجية.. بينما لايزال هناك عدم وعي لدى الطلبة وأولياء أمورهم بهذه الرؤية.. ولايزال الكثير من أولياء الأمور يلقنون أبناءهم أن أهم شيء يحصّل (شهادة) وبعدين الله كريم.. وبالطبع يبحث الطالب عن الطريقة الأسهل للحصول عليها.. لهذا تستمر الجامعات في تخريج الكثير من الخريجين الذين يبحثون عن وظائف إدارية.. ويبقى خريج الأدبي يبحث عن الجامعات، التي تسمح لخريجي الأدبي بدخول تخصصات مشبعة مثل تقنية المعلومات.. ويبقى استيراد التخصصات العلمية الأندر (في الأغلب) من دول (الشنقن)!
قليل من التوعية لابني وابنك، لكي لا يشاركونا بعد سنوات عدة، في لعب (الدومنة) على الناصية.. لنزرع فيهم أننا أمة لا ينقصها الذكاء العلمي، وأن الأحياء والفيزياء والكيمياء، وحتى (التفاضل والتكامل) نفسها، لا تختلف في أهميتها عن المواد (الأدبية)، وأنها ليست بعبعاً ولا حكراً على المخلوقات الشقراء الأكثر ذكاء، بحسب إيمان بعض العنصريين وأتباع العنصريين!
* * *
من أجمل ما وصلني: رسالة من زميل (أدبي)، يقول فيها: س^2 -3س-4=0، أوجد قيمة (س).. ثم أتبعها بعبارة: اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع!
المصدر: الإمارات اليوم