كاتب إماراتي
لا أعرف تماماً هل مازالت قصة الرجل وابنه والنخلة «زرعوا وأكلنا ونزرع فيأكلون»، موجودة في المناهج الدراسية، أم أنها قد تمت إزالتها بحكم أنها «مقصة»؟ فاليوم، والفضل لله، ومع انتشار مراكز بحوث النخيل، وتقدم علم زراعة الأنسجة النباتية، تقوم بزراعة الفسيلة وبعد أعوام تعد على أصابع اليد الواحدة، تصبح مؤهلاً للمشاركة في مسابقة مزاينة الطب في الغربية. ويقول أحد الإحصاءات الصادرة عن إحدى الجهات الرسمية في أبوظبي، إن الإمارات أصبحت الأولى عالمياً في أعداد النخيل، التي تكاد تلامس رقم الـ50 مليون نخلة، «وراحت عليج يالبصرة»!
لن تجد أن الدوائر المعنية بالاهتمام بهذه الشجرة المباركة تختلف في أنها «عمتنا». ولكن الفرق الجوهري في تفسير «كينونة» هذه العمة، فبعض الدوائر بحكم الإمكانات والتخطيط الجيد، تدلل هذه الشجرة بشكل كبير، ما أدى إلى وجود ناتج محلي قوي في سلعة التمر، حتى إن الدولة أصبحت، أخيراً، تسهم في البرامج الإغاثية وبرنامج الغذاء العالمي من الفائض من المنتج. لكن هناك دوائر أخرى يبدو أنها فهمت أن العمة هي «الحماة»، ومازالت تتعامل معها بعدوانية، فتلحظ بعض الشوارع وقد امتلأت بأصناف التمر الذي يتساقط نتيجة الإهمال، وتدوسه الأرجل، ويتحول الشارع إلى ممر لزج ومملوء بالحشرات، خصوصاً مع وجود قوانين وضعية لدى البعض، تمنع العبث بالنخيل، وتكسل في الوقت نفسه عن الاهتمام به، و«خرفه» أو «تلقيحه» بالطرق العادية أو الحديثة. والجواب دائماً لدى تعرضهم للانتقادات «ضعف الإمكانات»، على الرغم من أن درزن الأكياس التي يمكن إحاطة «عثق» التمر بها لا تتجاوز الـ10 دراهم. هذا عدا أن في الأمر حفظاً للنعمة وشكرها، ومداراة لقسوة شعور العربي وهو يطأ آلاف التمور الساقطة!
هل يمكن لعربي أن يتذوق بيت شِعر إن لم يكن يحمل حباً خاصاً لكل نخلة؟!
هل يعرف عربي معنى أن يشمخ برأسه عالياً، إن لم تعبر بخياله صورة نخلة؟!
هل يستطيع عربي أن يلفظ كلمة «عزة» دون أن يتذكر موسيقى كلمة نخلة؟!
ما بيننا وبين النخيل لغة لا يفهمها مسؤولو دوائر الخدمات المهملة لها. لا أعرف هل جرب أحدهم ذلك «الجذل» أثناء عملية «الخرف»؟ هل جرب مفاجأة النخلة اليومية في إعطائك أكثر مما كنت تتوقع؟ هل جرّب عملية الانتقاء بحسب من سيذهب رطبك له؟ فحين يكون شخصاً لا يهمك فأنت تتعرف حينها إلى معنى مصطلح ساقط ولاقط حرفياً. وحين تجمع رطباً لشخص يهمك، فإنك تأخذ الرطبات بمقياس، تتأكد من أن الخط الفاصل بين اللونين في المنتصف، وأن الحبات متساوية، وتمسح عنها غبار الانتظار، وتضع اللين فوق الصلب، وتحرص على أن يكون منظر السلة في النهاية أشبه بسلة من الذهب!
هل جرّبت أن تقطف تمرة أنت تعلم أن شفتيها ستلامسها غداً؟!
بيننا وبين النخيل أسرار كثيرة، لا تُروى.. فاحفظوها!
المصدر: الإمارات اليوم
http://www.emaratalyoum.com/opinion/2014-08-28-1.704675