كشفت مصادر بريطانية مطلعة، أن عمدة لندن بوريس جونسون سيقوم بزيارة لعدد من الدول الخليجية في منتصف نيسان (أبريل) المقبل، وستستمر الزيارة لمدة أسبوع، وتشمل ثلاث دول خليجية وهي دبي وقطر والكويت.
ووفقا لتلك المصادر، فإن عمدة لندن يرمي من الزيارة إلى إقناع البلدان الثلاثة بتقديم الدعم المالي لمشروعه ببناء مطار دولي جديد في العاصمة البريطانية لندن. وتقدر تكلفة المطار الجديد بنحو 80 مليار جنيه استرليني، وسيستقبل قرابة 180 مليون مسافر سنويا.
وكان إنشاء مطار جديد في لندن محل جدل واسع النطاق بين عدد من المسؤولين البريطانيين. فبينما تفضل بلدية العاصمة إنشاء مطار جديد يشمل أربعة مدارج لهبوط وإقلاع الطائرات في منطقة توماس إيستري، فإن مستشاري عمدة لندن يعتقدون أن توسيع مطار أستانستد خيار أكثر واقعية.
وبصرف النظر عن موقع المطار الجديد، فإن بوريس جونسون يصر على أن يعتمد في تمويل مشروعه على القطاع الخاص، وأن يصمم المطار بطريقة تضمن دعم النشاط التجاري. ويُرجح أن تغطي الـ 80 مليار جنيه استرليني تكلفة إنشاء قاعات الركاب، ومدرجات هبوط وإقلاع الطائرات والمرافق المساعدة، ومد خط سكة حديد للمطار، إضافة إلى الطرق والكباري المؤدية إليه.
وربما تشارك أيضا أيدٍ عربية في تصميم المطار، إضافة إلى البلدان الخليجية الثلاثة، فقد أعلن عمدة العاصمة البريطانية عن تشكيل لجنة من الخبراء البريطانيين لوضع تصميم للمطار، ويضم الفريق المهندسة البريطانية من أصل عراقي زاها حديد، وهي مصممة المركز الأولمبي للألعاب المائية في أولمبياد 2012، كما ستكلف شركة أتكنز التي أشرفت على إنشاء مركز التجارة العالمي في البحرين ومترو دبي، بإجراء الدراسات الخاصة بالتأثير البيئي للمطار.
واتهم عمدة لندن في وقت سابق، وزراء، بمحاولة عرقلة المشروع، وذلك بتأجيل البت في الدراسات التي تمت بتكلفة نحو ثلاثة ملايين جنيه استرليني إلى ما بعد الانتخابات البرلمانية المقبلة عام 2015، ومن المقرر أن تقوم بلدية لندن بفحص نحو 15 مقترحا بشأن إنشاء المطار خلال هذا الشهر.
وأثارت رغبة عمدة العاصمة البريطانية في إنشاء المطار، والسعي لتمويله برؤوس أموال خليجية، عددا من التساؤلات، كان من أبرزها: هل يمكن للمستثمرين أو البلدان الخليجية الموافقة على تمويل هذا المشروع الضخم، في الوقت الذي لم يحسم موقفه النهائي بعد من تفاصيله؟
وسعى مستشارو عمدة لندن إلى التغلب على تلك الشكوك بالقول إن زيارة جونسون للخليج، وبحث الموضوع مع المسؤولين ورجال الأعمال الخليجيين، يأتي في إطار زيارة أولية ذات طبيعة استكشافية، ولن تُتخذ فيها قرارات نهائية.
لكن الصحافي محمد خان قال لـ “الاقتصادية” إن فكرة المشروع والاعتماد على الخليجيين لتمويله برزت عندما زار بوريس جونسون عمدة لندن الهند، وشاهد “أيروتروبليس حيدر أباد”، وهو نوع جديد من المشاريع التي تقام في المناطق ويضم مزيجا من المطارات والمجمعات التجارية والمشاريع المتصلة بها، وكان الخليجيون قد مولوا نحو 30 في المائة من “أيروتروبليس حيدر أباد”.
ويعتقد المحلل السياسي ريموند وايت، أن الأمر يتجاوز حدود تأثر جونسون بمشروع شاهده في الهند، ويقول: “الطموح السياسي لعمدة لندن هو ما يحركه في هذا المشروع العملاق”.
وأضاف لـ “الاقتصادية” أن جونسون ينتمي لحزب المحافظين الذي يتزعمه ديفيد كاميرون رئيس الوزراء الحالي، وهو يضع عينه على المستقبل، ويطمح إلى أن يكون رئيس الوزراء المقبل، ومثل هذا المشروع يمنحه استحسانا شعبيا، إذ يجذب هذا المشروع رؤوس أموال ضخمة لبريطانيا، ويخلق فرص عمل في وقت يعاني فيه الاقتصاد.
“كما أن المطار، الذي سيكون بطبيعة الحال نموذجا هندسيا مميزا وفريدا، سيمثل رمزا تفتخر به بريطانيا أمام كل من سيشاهده، ويقدر عدد المسافرين فيه سنويا بـ 180 مليون مسافر، وهو ما يجعل بوريس يلعب على مشاعر الكبرياء والفخر لدى المواطن البريطاني الذي تداعبه دائما ذاكرة الأمجاد الإمبراطورية”.
ويضيف ريموند: “خلال المؤتمر الأخير لحزب المحافظين، اعتقد البعض أن جونسون سيتحدى كاميرون على الزعامة، فالطريقة التي استقبل بها خلال المؤتمر تكشف مدى شعبيته، ولذلك فهو يستعد للحظة المناسبة للانقضاض على زعامة الحزب. إنها مسألة وقت”.
لكن تساؤل آخر يبدو، وهو لماذا اختار عمدة لندن أن يولي وجهه شطر الخليج العربي، وتحديدا دبي وقطر والكويت؟ وتجيب الصحافية جيل أندرسون عن هذا التساؤل، بالقول: “الخليجيون استثمروا في مشروع مماثل في الهند، ومن ثم يحتمل أن يستثمروا أيضا لدينا في بريطانيا”.
وتابعت: “هناك فوائض أموال خليجية ضخمة تبحث عن فرص استثمارية، ولبريطانيا وتحديدا لندن، قبول خاص لدى المستثمر الخليجي، أضف إلى ذلك أن الاستثمارات القطرية قفزت إلى أكثر من 124 مليار ريال قطري في بريطانيا – وفقا لتقديرات القطريين، كما لدبي رغبة دائمة في الاستثمار في مشروعات ناجحة ماليا وذات بريق إعلامي”.
لكن لماذا لم يضع عمدة لندن الرياض على جدول زيارته؟ قالت جيل: “الجدول الأخير للدول التي سيقوم جونسون بزيارتها لم يحدد بعد بشكل نهائي، فالرياض بصفة عامة هي أكثر المستثمرين الخليجيين ثقلا وتريثا في أنماطها الاستثمارية، فالأمر بالنسبة للسعوديين لا يتعلق بزيارة، إنما بدراسات أكثر عمقا وبعدا مستقبليا. لديهم أسلوبهم الخاص الذي أنضجته سنوات طويلة من التجربة الاستثمارية في العالم وفي بريطانيا تحديدا، إنهم من يحدد زمان ومكان وقيمة ما سيستثمره”.
وهل سيفلح جونسون في إقناع البلدان الخليجية بالاستثمار في مشروعه؟ يجيب أستاذ الاقتصاد المعاصر في مانشيستر روث دين قائلا: “ليس مؤكدا. فمشروع إنشاء المطار لا يزال فكرة في محل الدراسة ولم تتبلور نهائيا بعد، ولا أحد في ظل هذه الأزمة الاقتصادية يقوم بشراء سمك في الماء. ربما يفلح في الحصول على بعض الوعود، لكن أشك في أن تكون بـ 80 مليار جنيه استرليني”.
ويضيف روث: “هناك عامل آخر ربما يشجع الخليجيين على الاستثمار في هذا المشروع، وهو الاستثمار في عمدة لندن أكثر من الاستثمار في المطار ذاته. ربما يستثمرون في المشروع لتعزيز علاقتهم الخاصة مع أحد نجوم السياسية البريطانية، وأحد كبار السياسيين الذين يتمتعون بشعبية كبيرة تؤهله ليصبح رئيسا للوزراء.
وقال إن نجاح المشروع سيعزز فرص جونسون السياسية، ودعم الخليجيين لهذا المشروع ربما يعني دعمه سياسيا. لكن ماذا إذا فشل بوريس في زيارته المقبلة؟ يجيب الصحافي محمد خان قائلا: “ربما يتوجه في هذه الحال إلى الصين، وإقناع الصينيين بالاستثمار في المطار الجديد .. قصة أخرى لها شروط مختلفة”.
المصدر: الاقتصادية