كاتب سعودي ويشغل حالياً منصب مدير قناة "العرب" الإخبارية
رواية رائعة، لكاتبة رائعة، كتبتها من القلب، عاشت أحاسيسها بصدق، وبالتالي نجحت أولاً في الغرب، حيث من الصعب أن تنجح رواية تنصف الفلسطيني، هناك «اليهودي» هو المظلوم، فتجد مئات الكتب والروايات والأفلام التي تخلد مظلمة اليهود «الهولوكوست»، والتي من الغباء والجهل إنكارها كرد فعل منّا، بعدما رأينا كيف تحول المظلوم اليهودي إلى ظالم قاتل في فلسطين.
إنها رواية «عندما كان للشوارع أسماء» أبدعتها «رندة عبدالفتاح» باللغة الإنجليزية، وهي شابة فلسطينية نشأت وتعلمت في أستراليا، ترجمتها للعربية ونشرتها مؤسسة قطر، أدعو بقوة لقراءتها وتداولها خاصة بين القراء الشباب، ليس لأنها ممتعة فقط، وإنما لكونها نافذة صادقة على حياة الفلسطيني تحت الاحتلال أو لنقل صيغة «أوسلو» من الاحتلال، وهي صيغة معقدة لم يجربها غير الفلسطيني، وهي ما نسميه «السلطة الوطنية الفلسطينية»، حيث ثمة علم وأرض «أو بضع أرض»، ورئيس وحرس شرف، وانتخابات «نظرياً»، وشرطة وسجون ومدارس، ولكن ذلك لم يصنع استقلالاً تاماً ولا حرية، ولكنه ليس احتلالاً صريحاً، إنه برزخ، منزلة بين المنزلتين.
نجحت الروائية في تصوير كيف يعيش الفلسطيني محاصراً، ومن حوله جدار عازل وحواجز شرطة ونقاط تفتيش إسرائيلية، ربما كانت تفكر في زميلات دراستها بأستراليا وهي تكتب الرواية، كي يعيشوا معها بعضاً ممّا عاشته وسمعته وهي تزور أرض الأجداد، ولكنها أيضاً نجحت أن تنقل لنا ـ نحن العرب ـ غير البعيدين عن فلسطين صورة لا نراها على الشاشات كثيراً، رغم إن أخبار فلسطين المثيرة للأسى دوماً حاضرة دوماً، شاشتنا تنقل لنا أخبار المواجهات وصورها، والمظاهرات، والاعتداءات الإسرائيلية، ثم المفاوضات واللقاءات بين المسؤولين الفلسطينيين ونظرائهم الإسرائيليين، ولكنها لا تنقل الحياة اليومية العادية التي يعيشها الفلسطيني، هذا ما فعلته «رندة عبدالفتاح» باقتدار.
القصة تدور حول جدتها «ستي زينب» التي تحتضر، فأيقنت بطلة الرواية «حياة» أنها لو أتت بتراب من حديقة جدتها الواقعة خلف الجدار العازل فسوف تتعافى الجدة، بعدما حرمت من بيتها وحديقتها بسبب الاحتلال، وهنا تبدأ مغامرة «حياة» وزميلها «سامي» الذي يقبل بعد تردد مشاركتها في محاولة عبور الجدار عبر شتى الحواجز، الحوار بينهما والصعوبات التي يواجهونها تكشف لنا نحن الذين نعيش حياة عادية، أقسى ما نشكو منه زحمة السير وحرارة الطقس، ونحن نمضي للمدرسة، بينما «حياة» وكل شابة وشاب فلسطيني يتوقع أن يتعرض كل يوم، وعند كل منعطف، لمزاج الشرطة الإسرائيلية، ووقاحتهم وتعمدهم إهانته، يروي «سامي» لـ«حياة» كيف أنه رأى قس كنيستهم يخلع ملابسه أمام حاجز إسرائيلي، وكيف التصق هذا المنظر في مخيلته كلما جلس يستمع لعظة القس في الكنيسة؟ هذا هو ما يريده الإسرائيلي، أن يشعر الفلسطيني كل يوم بالمهانة.
صديقي الفلسطيني أخبرني عن نشأته في رام الله تحت الاحتلال، وروى لي كثيراً عن الصور المؤلمة المشابهة، كان تحليله لذلك أن أفعال الإسرائيليين ممنهجة وليست اعتباطية «إنهم يجعلون حياتنا صعبة، لنكره الحياة على أرضنا، ثم نقبل أول فرصة للرحيل»، صديقي يعيش الآن في كندا.
اقرأوا الرواية، فنحن لا نعرف كيف يعيش الفلسطيني فوق أرضه، وكم يضحي كل يوم من كرامته وصبره واحتماله من أجل أن يبقى هناك.
المصدر: مجلة روتانا