صحفي وكاتب سعودي
23 سبتمبر (أيلول) في عام 1932، كان إعلان توحيد الدولة السعودية الثالثة تحت مسمى المملكة العربية السعودية.
كان ذلك بعد نحو سنتين من أهم معركة مصيرية خاضها المؤسس الملك عبد العزيز، مع أخطر حركة تمرد داخلية قادها بعض المتشددين من المقاتلين الإخوان، وهيأ الملك عبد العزيز الأسباب السياسية والإعلامية، بلغة عصرنا، للنصر، مستبقًا ذلك بتجديد تكريس شرعية الدولة من خلال مؤتمر الرياض الشهير، الذي دعا له أعيان البلاد من كل الشرائح، وتم التأكيد على «بغي» الإخوان، وشرعية قتالهم، وقد كان ذلك في 30 مارس (آذار) 1929. حينها ولدت السعودية من جديد.
بعد إعلان التأسيس بست سنوات، تحديدا في 4 مارس من عام 1938 تدفق البئر رقم سبعة في الدمام بأولى دفعات الذهب الأسود، النفط، لتكتب بعد ذلك قصة سعودية مديدة مع المرحلة النفطية العميقة ظلت معنا عقودا.
حدثت بعد ذلك «تحولات» سعودية كثيرة، منها القرار العظيم الذي أعلنه الملك سعود بفتح مدارس للتعليم النظامي للبنات في مدن السعودية عام 1959 وهو قرار أرضى الغالبية، وأغضب الأقلية، وكما هي العادة، هي أقلية صاخبة، ولكن القرار بـ«حزم» الدولة، تم وصار، كما يشرح تلك المرحلة بتفصيل الباحث السعودي عبد الله الوشمي في كتابه «فتنة القول بتعليم البنات».
ومضت التحولات السعودية مستمرة، وكان منها افتتاح محطة التلفزيون السعودي بالرياض 1965 بقرار الملك فيصل، وصممت الدولة على استكمال هذا المظهر المدني، والحيوي للدولة والمجتمع، رغم نفثات الغاضبين.
ومضت التحولات السعودية قدما، في كل عهد وحين، رغم الصعوبات ورغم التحديات ورغم الشكوك، في المجال الإداري والسياسي، والأخطر، في المجال الاجتماعي. في عهود الملوك خالد وفهد وعبد الله، وكل من هذه العهود بنى مثلما بنى سلفه، في الإصلاح الإداري والاجتماعي والاقتصادي، فكان من درر عهد الملك فهد، «سابك»، وأنظمة الشورى والمناطق ونظام الحكم الأساسي، وكان من جواهر عهد الملك عبد الله، تمكين المرأة السعودية من مجلس الشورى، ونظام البيعة، وبرنامج الابتعاث.
والآن، ما زالت التحولات السعودية مستمرة، قبل النفط، وأثناء النفط، الآن نتحدث عن عصر ما بعد النفط، وكيفية بناء الاقتصاد السعودي على قاعدة الاستثمار الاستراتيجي، بحيث يتحول صندوق الاستثمار السعودي لـ«مورد طبيعي» غير ناضب.
هذا التحول الكبير، المنضوي تحت «رؤية مستقبلية» سعودية هو محطة فاصلة في تاريخ البلاد، لها ما بعدها، كما كانت محطات المؤسس وأنجاله من قبل، كل بحسبه وتحديات مرحلته.
السياسة هي السياسة تختلف صور التحدي فقط، نحن الآن أمام التحدي السعودي الأكبر.
المصدر: الشرق الأوسط