داعية إسلامي من السعودية
طيلة أربع سنوات مضت وأنا أكتب في مثل هذا الشهر الكريم عن مناسبة المولد النبوي الشريف؛ عام 1431، كتبت مقالا عنوانه: “ولد الهدى”، وفي العام التالي عنونت بحديث: “ذاكَ يومٌ وُلدتُ فيه”، وفي عام 1433 كتبت بعنوان: “ربيعٌ في ربيعٍ في ربيعِ”، وفي العام الماضي كتبت: “ربيع الأول مناسبة جاذبة لا طاردة”، وكنت أظن أني أديت واجبي فيما يتعلق بالاحتفاء بذكرى ميلاده ـ صلى الله عليه وسلم ـ ؛ إلا أن الجدل السنوي ما زال مستمرا، فهذا صحفي يسأل، وذاك برنامج يستضيف، وكأن الخلاف في المسألة سيتوقف يوما ما.. سأحاول عدم تكرار فكرة مقالاتي السابقة، ولولا الحاجة ـ مع كل أسف ـ لما عدت لذلك. لقد جاء الوقت لأكرر أن من ينكر الاحتفاء بالمولد النبوي، أو من يدعو إلى الاهتمام به كلاهما يعتمد على جملة من الشواهد القرآنية والحديثية، ومجموعة من أقوال الممانعين والمبيحين، ولا يمكن لأحد أن يدعي أنهما زاهدان في الاهتمام بالذكريات والمناسبات النبوية بالخصوص، والدينية والدنيوية بالعموم.
شهر ربيع الأول أعتبره ـ والكل كذلك ـ مدخلا مناسبا لنتعلم ونعلم ماذا يجب علينا (فيه وفي غيره) من أمور المناسبات، كيف نفهمها فهما دينيا صحيحا، وكيف نعمقها في أذهان الناشئة ليزدادوا تمسكا بدينهم، وشريعة خالقهم ـ سبحانه وتعالى ـ، وقيم نبيهم ـ صلوات الله عليه ـ.. الناس اليوم شغلتهم مناسبات متعددة، والخوف كل الخوف من أن تتراجع قيمة المناسبات الدينية أمام ما انشغلوا به كما هو مشاهد.. اليوم نحن في أمس الحاجة إلى خطاب أكثر عقلانية في مناسبة المولد النبوي؛ نحتاج إلى أسلوب يهتم بالنقل، ويعظم العقل، ويبين للناس أن الاهتمام بالنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ليس محصورا بزمان، أو مقيدا بمكان، كما أنه بلا طقوس خارجة عن الشرع، وأن ذكرى المولد، وإن لم يكن هناك أي نصوص قرآنية أو حديثية مباشرة تدل على طريقة الاحتفاء به؛ إلا أن الأمر مندرج تحت أصول شرعية متفق عليها.. العاطفة نحو الحبيب ـ صلى الله عليه وسلم ـ جياشة، ومن المنطق أن نستثمرها في تأليف القلوب، لا أن نجعلها أداة للتفرقة أو النزاع.. جربوا في أن تقولوا للناس إن نبيكم ـ صلى الله عليه وسلم ـ خاطبكم وقال لكم: “حياتي خير لكم تحدثون ويحدث لكم، ووفاتي خير لكم تعرض علي أعمالكم، فما رأيت من خير حمدت الله عليه، وما رأيت من شر استغفرت الله لكم”، وإن لم يناسبكم أن تقولوا لهم هذا الحديث لأن (البعض) حكم عليه بالضعف لا بالوضع، فقولوا لهم إن حبيبكم فيما (صح) عنه ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ يقول لكم: “أنا فرطكم على الحوض وليرفعن رجال منكم ثم ليختلجن دوني فأقول يا رب أصحابي فيقال إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك”، وأن سيدنا محمدا سيكرر حينها لخالقه سبحانه: ما قاله سيدنا عيسى ـ عليهما السلام ـ في سورة المائدة: {وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}.. جربوا وأنا واثق أن ذلك سيسهم في تقريب الناس من بعضهم لا في نفرتهم.
المصدر: الوطن أون لاين
http://alwatan.com.sa/Articles/Detail.aspx?ArticleID=24544