كاتب عمود يومي في صحيفة الوطن السعودية
في مجلس الأمير خالد الفيصل لم يتبدل ولم يتغير صلب القضايا المطروحة للنقاش.. غبت عنه هذه السنين، وحين عدت إليه وجدته ذات (الموضوع)، وكأنني في المجلس ذات الليلة السابقة. إنه الحديث المتواصل عن قضايا التنمية. وللإخوة الكرام الفضلاء الطارئين على أحاديثه ومجالسه، سأعطيكم الوصفة: هو ـ كما عرفته ـ لا يكره في المجالس أكثر من شيئين: لغة المجاملة التي يغتالها مباشرة بصرامة الردود القصيرة، وقد أعطاه الله مواهب اللغة، مثلما يكره أيضا حصر الإنجاز في الأفراد حتى لو كان في شخصه، لأنه ـ لمن لا يعرفه ـ عاشق لروح الفريق، ومغرم ببناء الأفراد من حوله لمسيرة العمل الجمعي. أكثر من هذا صاحب فراسة هائلة في القدرة على اختيار أفراد الفريق، وصاحب صرامة تتجاوز العاطفة حين يتخلص من الأفراد في مشاريعه الإدارية والتنموية بجملة قصيرة واحدة، إذا ما رأى أن الزمن قد تجاوز (الفرد) في القدرة على الركض الصحيح مع الفريق.
وللذين لا يعرفون هوس خالد الفيصل بتدوين الأخطاء الإدارية والتنموية والاعتراف بها من أجل تفاديها وتجاوزها، عليهم أن يقرؤوا كتابه: “مسافة التنمية وشاهد عيان”، لأن الكتاب درس جوهري في أساسيات الإدارة. وخذ من الأمثلة؛ أنه ترك مدن عسير بلا منطقة عشوائية واحدة، وفي الكتاب نفسه قصة إدارة العشوائية الوحيدة في خميس مشيط، حين ردمها بقرار إداري صارم. قصة نجاحه الاستثنائية في عسير تكمن في أنه جاء إلى ورقة بيضاء خالية من أي رسم تنموي.
وفي المقابل، وصل خالد الفيصل إلى جدة بكل الإرث التنموي الذي نعرف جميعاً جوهر أخطائه المتراكمة، ومع هذه المدينة. مجرد بضعة عشر نفقاً أو “كوبري”، مقابل ما يقرب اليوم من مئتي محور ناقل جديد للحركة. مدينة لا يغطي الصرف الصحي من أطرافها سوى أقل من 20%، وبنهاية العام الحالي ستتبدل مواقع الأرقام في هذه النسبة. وكما تشير الأرقام، فإن ما يقرب من نصف مليون عامل في اليوم الواحد يذهبون إلى قطاع الإنشاء والتشييد وحده في مدينتي مكة المكرمة وجدة. وكما سمعت الكثير من شكاوى الأهالي عن هذه المدينة التي تحمل في شوارعها مئات لوحات (التحويلات) من أجل هذه المشاريع، فقد سمعت ـ في المقابل – أيضاً ما يثير الضحك: مثقف بارز جدا ينكر رفع العمران في مكة المكرمة، وهو الحداثي النقيض للتراث، مثلما سمعت أيضا مثقفاً آخر يقول: إنه لا يوجد على الأرض مشروع واحد، وكأننا معه “مدينة من العميان”!
المصدر: الوطن أون لاين