خلال الأسبوع الماضي ناقشت بعض المواقع الإلكترونية الأميركية، بعض الخطوط العريضة للمناهج المقترحة من النظام التعليمي في ولاية تكساس الأميركية. وتم تناول الأفكار الموجودة في الكتب بالسخرية تارة، أو الاستهجان والتقزز تارة أخرى. بعض المعلومات كانت خاطئة بكل بساطة. بعضها الآخر كان يشي بنزعات عنصرية، أو يروِّج لأفكار متطرفة حيال الأديان والأعراق. أو ينظر إلى التاريخ الأميركي بشكل يخالف الرؤية «الرسمية».

في مقالة نشرت في موقع «هيوستن برس» تم تناول أكثر الأشياء «جنونية» في تلك المناهج، التي تتضمن على سبيل المثال اعتبار نبي الله موسى هو الملهم لإنشاء أميركا، بدلاً من «الآباء المؤسسين» أو «أفكار جون لوك» الليبرالية. كما تقوم المناهج باعتبار «الجهاد» الإسلامي سبباً رئيساً ووحيداً لكل مشكلات «الشرق الأوسط»، ومن الطريف هنا أن تلتقي تحليلات بعض الليبراليين العرب مع تحليلات جانب من التيار المحافظ اليميني الأميركي.

«مناهج تكساس» المقترحة ما زالت تستخدم مصطلح «نيغرو» أو «زنجي» وهو مصطلح مستهجن لإيحاءاته العرقية، ولأنه استخدم في أميركا على نطاق واسع؛ لتبرير اضطهاد السود، باعتبارهم عرقاً أدنى في عقود سابقة. المصطلح يُستخدم في الشارع من أجل شتم والتقليل من قيمة أصحاب البشرة السوداء، كما أنه يوحي بأفكار سابقة، حول تفوق «العرق» الأبيض» في مقابل دونية «الزنوج».

في الإطار ذاته، حاولت هذا المناهج إعادة قراءة فترة الفصل العنصري في الولايات المتحدة في الولايات الجنوبية، التي لم تنتهِ إلا بعد حركة الحقوق المدنية، التي قادها مارتن لوثر كنج في الستينات، إذ كانت الأنظمة والقوانين في الولايات الجنوبية تفصل بشكل كامل بين البيض والملونين في الصحة والتعليم، ومعظم مؤسسات الفضاء العام. ترى «مناهج تكساس» المقترحة أن الفصل العنصري لم يكن بالسوء الذي يوصف به الآن، كما أن تلك المناهج تعتبر الولايات المتحدة لم تتطور منذ 1927. وتحاول إنكار المذابح ضد الهنود الحمر، وتكتب آراء تعتبر متشددة حيال المثلية الجنسية.

قبل سنوات حاولت «ول مارت» سلسلة الأسواق الضخمة الممتدة في الولايات المتحدة تغيير شعارها لتخفيضات شهر كانون الأول (ديسمبر)، فبدلا من أن تكتب عبارة لها علاقة بالأعياد المسيحية «ماري كريسميس»، استخدمت عبارة عامة، لا تحوي أي دلالة دينية «إجازة سعيدة/هابي هولدي». النتيجة كانت حملة مقاطعة ضخمة للول مارت، قام بها المتدينون أو «المطاوعة». كانت أهم نتائج المقاطعة، عودة العبارة الدينية كشعار للتخفيضات في وقت أعياد الميلاد المسيحية. وتراجع سلسلة صيدليات شهيرة كانت قد عقدت العزم على تغيير شعار موسم «الكريسمس».

مقارنة واقع «المطاوعة»، وهنا أستخدم الكلمة العامية المتداولة في المملكة العربية السعودية لوصف المنتمين إلى التيار المحافظ، لا يختلف هذا الواقع عن أي أفراد أو حركة محافظة حول العالم. بل لا يكاد يختلف في تبايناته الداخلية وتنوعه عن أي تيار سياسي أو حركة اجتماعية في اليمين أو اليسار.

التيارات المحافظة في الولايات المتحدة مؤثرة، ولها حضور سياسي واجتماعي قوي. قناة «فوكس نيوز» حققت صعوداً مثيراً، منذ انطلاقها عام 1996، لتصبح من القنوات المؤثرة، في الرأي العام الأميركي المحافظ، والشريحة التي تصوت بالعادة للحزب الجمهوري. في المقابل، لا تكاد تجد قناة إعلامية ليبرالية في الولايات المتحدة لا تسخر من قناة فوكس نيوز وجمهورها.

خلال الفترة الرئاسية الثانية للرئيس الأميركي جورج بوش الابن، صرّح بتصريحات عنيفة ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، يلومه من خلالها على تعثُّر عملية السلام في «الشرق الأوسط»، كرد فعل على هذه التصريحات، وبسبب إيمان معظم التيارات المحافظة البروتستانتية في الولايات المتحدة، بواجب حماية ودعم إسرائيل -تلك التيارات، التي كتب عنها محمد السماك كتاباً مثيراً بعنوان «الصهيونية المسيحية»- تلقى البيت الأبيض نحو 50 مليون بريد إلكتروني، يشجب تصريحات الرئيس الأميركي، ويؤكد وجوب دعم إسرائيل. هذا مثال بسيط على حضور وتأثير التيار المحافظ في الولايات المتحدة.

لكن تبدو رؤية العرب للتيارات المحافظة في أميركا مشوشة. فعادةً يسيطر المحافظون الأميركيون على الإعلام المحلي أكثر من امتلاكهم قدرات إعلامية للتأثير خارج الولايات المتحدة. كما أن محاولة تهميشهم أو السخرية منهم مستمرة في الإعلام الليبرالي الأميركي، وهو ما جعل المتابع من خارج الولايات المتحدة يعتبرهم «أقلية» معزولة، لا تيار، له حضور وتأثير سياسي واجتماعي.

من الحيل المستخدمة هنا، اعتبار التطرف شذوذ في مجتمع، ومكون أساسي في آخر. ولا أعرف هنا كيف يمكن لشذوذ أن يوصل رئيساً متطرفاً دينياً كجورج بوش لقيادة الولايات المتحدة؟

تم تناول «مناهج تكساس» المقترحة بالسخرية في مواقع ومدونات مختلفة. ولم تتم الإشارة إليها في الصحافة العربية -على حد متابعتي-؛ لأنها لا تعتبر خبراً ذا أهمية، وهذا مفهوم، لكن تجاهل مثل هذه الأخبار، خلق صورة كاذبة عن الولايات المتحدة. تنعكس هذه الصورة على رؤيتنا لأنفسنا. هناك شريحة ما زلت تردد كليشيهات حول «التحضر والتخلف»، من دون رؤية تفاصيل الواقع الاجتماعي والسياسي هنا وهناك.

حين يركز الإعلام العربي -عموماً- على تفاصيل أبشع ما يصدر عن التيارات المحافظة لدينا، يتجاهل أمرين: تنوع التيارات المحافظة. وهذا ليس خاصاً بالعالم العربي بل بكل العالم، كما يتجاهل أن التطرف موجود في كل المجتمعات بدرجات متفاوتة، والحماقات تصدر عن أتباع كل التيارات بتفاوت، لكن الإعلام قادر على تضخيم جانب وتجاهل آخر، لأسباب سياسية واجتماعية مختلفة.

http://alhayat.com/Opinion/Badar-Al-Rashad/4884513

المصدر: الحياة