د. حنيف حسن
د. حنيف حسن
رئيس مركز جنيف لحقوق الإنسان والحوار العالمي منذ العام 2014، وزير سابق، وأكاديمي، وكان مديراً لجامعة زايد.

عولمة التسامح

آراء

تتصاعد، بشكل غير مسبوق، بشاعة الصراعات العرقية والطائفية والدينية، إرهاب بلون ما وإرهاب آخر رد فعل عليه من جهة أخرى، ومع تصاعد هجمات الإرهاب الدولي صعدت على أكتافه تيارات اليمين والكراهية والإسلاموفوبيا والكراهية للأجانب!

مع هذه النيران المشتعلة للكراهية، أصبح من ضرورات الوجود البشري واستمراره واستقراره إعادة قيم التعايش والتسامح والسلام وتعزيزها، مطلوب عولمة للتسامح بل ثورة عالمية من أجله والتمكين له، حتى يمكننا العيش سويا، ولا شك أن تعامل المجتمع الدولي وتعاطيه السلبي مع ملف التطرف وأسبابه ودواعيه أديا إلى نتائج وخيمة من إقصاء وعنف وإرهاب.

ولعل أولى خطوات التهاون في التعامل مع هذا الملف الخطير هو التغاضي عن خطابات التحريض والكراهية العنصرية والدينية، في منطقتنا العربية أو تلك التي في الدول الغربية.

لا شك أن استثمار البعض في ثقافة الكراهية استثمار مربح لهم، بدءا من الجماعات الأيدولوجية والأصولية والانغلاقية التي تريد أن تحتكر هويتنا ومرجعيتنا وحياتنا وتضعها في حسابها وحدها، وتغلق عليها، أو تنغلق بها، وتلك الميليشيات المسلحة التي تخطف الأوطان، وتحاصر الشعوب والمواطنين، هكذا يفعلون الآن في الفلوجة كما يفعلون في تعز ويمارسونها في الرقة، هم بألوان مختلفة ولكن كلا منهم لا يعرف سوى اللون الواحد والمنطق الواحد ولا يعرف أن الاختلاف والتنوع وحده هو الجمال والثراء.

إذا استمر الوضع على ما هو ماثل في مختلف أنحاء العالم، والشواهد على ذلك كثيرة مع صحوة غير مسبوقة للإرهاب، ولجماعات تسييس الدين، ولجماعات اليمين شرقا وغربا، حتى صرنا نراهم في خطابات مرشحي الرئاسة في الولايات المتحدة الأمريكية، مزايدة وتوظيفا وفقط لكراهية الآخر طردا ونبذا.. فإن استمرار هذا الوضع ينذر بحريق وينذر بصدامات لا نهائية يقودها المتطرفون ويدفع ثمنها المعتدلون والمسالمون، من هنا ضرورة حماية واحة التسامح وسياجاتها بل وتسليحها بكل أدوات القوة والتمكين، تعليما وأمنا وقانونا وتجريما لكل مصادر وبذور وخطابات الكراهية.

علينا أن نصدر التسامح إن كانوا يمارسون تصدير الكراهية والتعصب لمختلف أنحاء العالم، علينا أن نسن القوانين التي تجرم هذه الخطابات وهذه الممارسات، وهو ما نرى أن دولة الإمارات العربية المتحدة كانت سباقة فيها في سلسلة من التشريعات المهمة والجسورة في العامين الأخيرين.

ومن مسؤوليتنا جميعا، دولا ومجتمعات، الوعي بخطر جماعات الإسلام السياسي وما تفرخ عنها من منظمات وميليشيات إرهابية تبث الرعب في أوطانها، لا زالت تهتك براءتنا وجـــمالنا وروحــــنا الـــقادرة على التعــايش والمحبة، كما تهدم أركان الدول ومؤسساتها.

صرنا جميعا في خطر، شرقا وغربا، مواطنا عالميا، أينما حل واينما ذهب، أصبحت المرافق المدنية الآمنة من مطارات ومحطات القطارات‎ والمرافق الترفيهية والخدمية أهدافا سهلة لتلك الجماعات والإرهاب العابر للقارات. وفي المقابل، نجد تصاعد موجة الإسلاموفوبيا وبعض ردود الأفعال الغربية الهستيرية تؤجج ثقافة الكراهية هذه، وتنظر بعين الريبة والتهمة إلى كل ما هو إسلامي، بل وتشكك في أصوله ومبادئه.

ولعل ما يبعث على القلق الشديد هو ازدياد نفوذ أصحاب تلك التيارات الغربية المتطرفة وحصولها على قاعدة شعبية وأصوات انتخابية ربما تؤهلها لقيادة بعض تلك الدول. وما نشاهده في حملة الرئاسة الأمريكية والسباق نحو البيت الأبيض مؤشر مقلق في هذا الاتجاه.

وقد أعلنها ترامب صراحة وحدد مواقفه العنصرية تجاه المسلمين على نحو غير مسبوق في الولايات المتحدة التي تأسست على مبادئ التعايش والتسامح وكانت ملجأ للفارين من الاضطهاد الديني في أوروبا. الأمم المتحدة أسهمت ومن خلال ندوة كبرى نظمتها في جنيف هذا الأسبوع لمتابعة خطة عمل السكرتير العام في هذا السياق.

ثورة وعولمة التسامح.. مسؤولية الجميع وليس المنظمات الدولية وحدها.