كاتب عمود يومي في صحيفة الوطن السعودية
تكمن مأساة ابننا، طفل السنوات الخمس، ثامر موسى، في أن الحصول على حقه كإنسان يبدو بلا نظام أو قانون للمحاسبة.. وفي ملفه الطبي بين يدي توزعت أركان قصته بين (القبائل). تعرض ثامر قبل عامين لضربة في الرأس أفقدته نظر عينه اليسرى، وظل في الطابور لعام كامل من أجل التحويل إلى مستشفى الملك خالد للعيون، وهو المشفى الذي بدل أن يكون حلاً، فقد تحول إلى شعار لأزمتنا الوطنية. وفي ثنايا رحلة اليأس، ذهب به والده الفقير المدقع إلى مستشفى شهير وخاص بالعيون. وفي الملف أن المستشفى المتخصص الخاص الذي تعهد بعلاجه بعملية جراحية، وعلى الفاتورة دفع له والده 23800 ريال لتنويم وعملية لم تستغرق كلها، وعلى ورق المستشفى أكثر من ثلاث ساعات من لحظة الدخول حتى إخراجه إلى الشارع.. دخل ثامر، وبالبراهين، بعشى وظلمة على العين وخرج إلى الشارع بعد ثلاث ساعات من الدخول بعين هي مجرد قطعة لحمية. ومثلما يقول والده بعيون باكية: دفعت دخلي كاملاً لعام كامل، وفي ظرف ثلاث ساعات فقط، من الشارع إلى الشارع، خرجت من المستشفى بعد أن (أعدمت) بيدي وبنقودي عين ابني الذي شكوت من أجله إلى أحجار الأرض بلا جواب.. حتى المستشفى والطبيب يرفضان أن يشرحا لي ما الذي فعلاه بالضبط.
وأنا اليوم لا أسأل عن (عيون) ثامر، لأن المستشفى سيجد في قاموس الطب ألف تبرير وتبرير، بل أحاكم الفاتورة في هذا (النهب) الذي يبرهن أن الطبيب حصل في نصف ساعة على كل ما يستطيع أن يحصل عليه في بلده الأصل لعام كامل. وفي ذات النصف ساعة صادروا مداخيل مواطن سعودي ليعدموا له عاماً كاملاً من الشقاء، وفوقها أيضاً عين ابنه. من هو الذي يقرر أن تكلفة مثل هذه العملية تصل لهذه الآلاف الخيالية؟ بالطبع من جيب فقير مدقع.. أي مواهب استثنائية لدى هذا الطبيب كي تكون أجرة نصف ساعة من يده الغليظة تصل بالفاتورة إلى 23800 ريال، وهو بالبرهان لم يزرع جهازاً على الإطلاق؟.. كل هذه التكلفة المستعصية على الهضم كانت قيمة المشرط، وليته لم يفعل. أنا لا أسأل عن عين ذهبت إلى التاريخ، لأنني أعرف (كذبة) الجواب.. أنا أسأل السؤال الأخلاقي البريء البسيط: من هو الذي يقرر أن هذه هي قيمة الفاتورة؟
المصدر: الوطن أون لاين