كاتب قطري
حديث السيد يوسف بن علوي عبدالله الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية في سلطنة عمان، لجريدة «الوطن» القطرية يوم 2 فبراير 2014، يكشف حقيقة الموقف العماني من مجلس التعاون، وهو الموقف الذي راهنَ عليه كثيرون قُبيل انعقاد قمة التعاون الأخيرة في دولة الكويت في ديسمبر الماضي.
فلقد أشار إلى أن سلطنة عمان حريصة على تقوية مجلس التعاون، وأنها متمسكة بالعمل الخليجي المشترك، مضيفاً أن المجلس لم يفشل، بل لم تتوافر الرغبة لتحقيق أهدافه، وأن على المجلس أن يستجيب لحقائق الأمور، مؤكداً «إننا في سلطنة عمان أكثر الناس رغبة في تقوية مجلس التعاون، ومجمل القول إننا مستمرون في دعم وتقوية مجلسنا التعاوني بكل الوسائل»! وأكد أن «(الدول المجاورة) لن تهاجمنا طالما توجد في الخليج مصالح عالمية». وأن «إيران لا تستطيع إغلاق مضيق (هرمز)، وإن فعلت تضر نفسها»، «ولن يصل لهم ولا حتى كيس أرز»!؟
لن نستعرض ذلك اللقاء الذي تم نشره في خمس صفحات! بل ما كان يهمنا هي الجزئية الخاصة بموقف عمان من مجلس التعاون، وعلاقة دول المجلس بإيران!
فلقد راجت أخبار عن «امتعاضات» في البيت الخليجي عن الدور العماني، الذي وُصفَ بأنه يتبلور دون الرجوع إلى بقية دول المجلس، أي أن السلطنة «تنفرد» بقرارات وسياسات خارجية دون مشاورة بقية الأعضاء، لكن (العلوي) بدد تلك «الامتعاضات» وبَلسمَها، حيث ذكر أن التنسيق لم يكن غائباً في المساعي العمانية الأخيرة، خصوصاً مع إيران، حيث أشار إلى أن تلك المساعي تمت بعد مؤتمر جنيف وبين الخبراء، كما أن وزراء خارجية التعاون قد استمعوا إلى ممثلي الولايات المتحدة الذين قدموا تفاصيل بهذا الشأن «وقد يكون أن بعض الأطراف لم تكن تريد لهذا الاتفاق أن يتم»!؟
إذن فالموقف العماني واضح، وأن «المناورات» السياسية داخل مجلس التعاون حتّمت أن تكون المواقف متباينة. كما أن العضوية في مجلس التعاون لا تحظر قيام دولة أو أكثر بمساعٍ من شأنها تقليل حدة التوتر أو تجنب وقوع الكوارث أو جلب منفعة لكل الدول أو بعض الدول. ونحن ندرك أن علاقات السلطنة مع إيران كانت تدعم الموقف الخليجي –خلال الحرب العراقية الإيرانية– ناهيك عن (تشارك) سلطنة عمان وإيران ومسؤوليتهما عن الملاحة عبر مضيق (هرمز).
ويبدو واضحاً –في حديث الوزير العماني– أنه تلقى «تأكيدات» إيرانية بعدم جدوى إغلاق المضيق «وإن فعلت تضر نفسها»! وهذه التأكيدات تزيل أي مخاوف مستقبلية حول هذه القضية، خصوصاً بعد اتفاق (جنيف 1) وعودة الدفء إلى العلاقات الأمريكية الإيرانية.
أما قول الوزير «لم تتوافر الرغبة –في المجلس– لتحقيق أهدافه، وأنه يجب أن يستجيب لحقائق الأمور»، فذلك لا يختلف عليه أبناءُ الخليج، لأننا نلاحظ بعض «الانشطارات» على قضايا ليست مهمة بتلك الدرجة، وأن ما تحقق على أرض الواقع بعد أكثر من ثلاثين عاماً من عمر المجلس لم يرقَ إلى طموحات المواطنين ولا طموحات القادة!؟ ولقد اعترف بذلك بعض قادة دول المجلس! نعم، يوجد تلكؤ و«استرخاء» واضح في المسيرة لم نشهده إبّان احتلال دولة الكويت، وهذا يؤكد قوة «المارد الأمني» في المعادلة الخليجية! ولربما لم يستجِب المجلس لحقائق الأمور –كما ذكر الوزير العماني– لأن الآليات داخل المجلس قد عفى عليها الزمن، وأن حل مشكلات الحدود –وإن تمت على مضض في بعض الظروف، وقد تطفو على السطح في المستقبل– لا يعني نهاية التوجهات «الضارة» بحياة مجلس التعاون.
إن مجلس التعاون يعيش هذه الأيام «أنكد» أيام حياته، ولربما جاء ذلك عبر تداعيات ما سُمي (الربيع العربي)، وقد يحتاج المجلس إلى وقت لقراءة الحكمة، كي يزيل تلك «الأنكاد» التي طفت على السطح خلال الأعوام الثلاثة الماضية. ذلك أن الظروف الحالية، مع بروز وسائل التواصل الاجتماعي، وتطور وعي مواطني الخليج، تحتم أن تكون المعالجات أو «التجبيرات» للكسور الخليجية أكثر حداثة وصراحة مما سبق، وأن تكون هنالك مكاشفات حقيقية وواضحة. لأن الشعوب ما عادت تستمع إلى الإذاعة المحلية أو وكالة الأنباء الوحيدة، بل يمكن أن يكشف المواطن العادي الهنات ومواطن الخطأ التي يتعرض لها على الصعد المختلفة، ويصورها ويبثها من الموقع.
كما أن تطور الوعي لدى مواطني المجلس يجعلهم أكثر «براجماتية» في النظر إلى المسألة الخليجية التي تخص مستقبلهم ومستقبل أبنائهم! ولا نعتقد أن جيل اليوم يتغنى بـ(أنا الخليجي.. والخليج إهو طريجي) كما كنا نفعل في الثمانينيات، دون أن يمحص ويقرأ الواقع ويكشف حقيقة المواقف في أي من دول المجلس.
نحن بحاجة إلى تدعيم مجلس التعاون، وأن تكون هنالك رغبة حقيقية وواضحة لتحقيق أهداف المجلس، وألا يكون موقف دولة ما، من قضية معينة، تخريباً لهذا المجلس، أو انتقاصاً من الدول الأخرى! لقد تم ترتيب الأوضاع الأمنية في المنطقة بشكل واضح، ومن الأجدى التوجه نحو الإنسان، وبحث أحواله ومنغصات حياته، بما يدعم تحقيق أهداف المجلس بعيداً عن الحساسيات المفرطة التي تطغى على السطح من وقت لآخر.
المصدر: الشرق