غرفة القيادة والسيطرة، تعد القلب النابض والعقل المحرك وعصب الأمن في أي مكان، عبر متابعة الحالة الأمنية، وتلقي البلاغات، والتعامل معها بمقتضى أهميتها. «البيان» تجولت نحو 3 ساعات في غرفة العمليات في القيادة العامة لشرطة دبي، التي تعد واحدة من أحدث غرف العمليات في العالم، بما فيها من تجهيزات تقنية وفنية، وكوادر بشرية مدربة ومؤهلة ومزودة بمهارات عالية للتعامل مع هذا الكم من البلاغات.
العاملون في غرفة العمليات هم رجال أمن على قدر عالٍ من التأهيل والتدريب، في كيفية التعامل مع البلاغات حتى انتهاء المشكلة أو تحويلها إلى أحد مراكز الشرطة أو الجهة المختصة، كما أوضح العميد عمر الشامسي نائب مدير الإدارة العامة للعمليات.
وشرح العميد الشامسي أن الغرفة تنقسم إلى أربعة أجزاء، هي قسم تلقي المكالمات الطارئة، وقسم السيطرة على الموارد المتحركة في المدينة والتابعة لشرطة دبي، وقسم الضابط المناوب، وقسم الإسعاف، ويعمل فيها 80 شخصاً بين ضابط وأفراد ضباط الصف، يؤدون واجبهم على أكمل وجه، بنظام الوردية كل 8 ساعات، ويتلقون المكالمات بعشرات اللغات، منها الإنجليزية والهندية والروسية والصينية والفارسية ولغات أخرى.
عجائب وطرائف
رغم جدية الأداء وجهد العاملين في غرفة القيادة والسيطرة في شرطة دبي، وصور الانضباط، إلا أن المشهد لا يخلو من المفاجآت المتصلة بالغرائب والعجائب أحياناً، التي تستقبلها الغرفة على رقم الطوارئ 999 بالاتصال أو الرسائل النصية، ومن هذه الاتصالات طلب أشخاص البحث عن زوجاتهم، وآخرون يستفسرون عن تعبئة رصيد لهواتفهم، وآخر اشترى سلعة واعتقد أنه لم يحصل على باقي المبلغ الذي دفعه.
غير ذلك هناك العديد من المكالمات الغريبة والعجيبة، التي تعامل معها متلقو المكالمات الطارئة بمنتهى الحكمة، ودبلوماسية شديدة، لا تخلو من الحزم والتأكيد على أن هذه الخدمة للطوارئ فقط، إذ أكد العميد عمر الشامسي أن الموظف في الغرفة يحمل رؤية شعارها تحقيق 97% من الاستجابة الفورية للمكالمة في غضون عشر ثوان أو ثلاث رنات، وهي ضمن الأهداف الاستراتيجية التي وضعتها شرطة دبي بغرض الحفاظ على أمن وحياة الناس وتلبية احتياجاتهم.
سيارة وطفل وزوجة
من بين المكالمات المستغربة التي يتلقاها رقم الطوارئ، اتصال شخص قال إنه ركن سيارته في مواقف مول الإمارات ولم يجدها، وبعد دقائق أعاد الاتصال ليخبرنا أنه وجدها، واعتذر بعد أن تذكر أنه أوقفها في الجهة الخلفية، واتصال آخر يستغيث فيه شخص عربي بعد أن أضاع ابنه ذا الستة أعوام في السوق الصيني بدبي، وبحث عنه ساعتين ونصفا ولم يجده، طالباً من الشرطة سرعة التحرك، فتم التواصل مع الأمن في السوق وعثر على الطفل، وحين طلب من الأب التوجه إلى غرفة الأمن لاستلام ابنه، رفض معتقداً أننا نوجهه لتقديم بلاغ لدى أمن السوق.
أطرف من ذلك اتصال ورد من شخص عربي يطلب مساعدتنا في البحث عن زوجته التي أضاعها في «فيستيفال سنتر»، وسرعان ما وجدها بعد أن ردت على اتصاله.
لم تقف البلاغات الغريبة عند هذا الحد، فهناك اتصال آخر ورد من سيدة على رقم الطوارئ تشتكي سيارة أجرة استقلتها إلى مكان محدد، فأوصلتها أمام إحدى البوابات، وهي كانت ترغب في النزول أمام البوابة المجاورة. كما استنجد أحد الآسيويين طالباً رقم فتح خط بلده لأنه يرغب في إجراء مكالمة مع أحد أقربائه، وآخر يشتكي جراء تعطل هاتفه، رغم أنه سدد الفاتورة.
13% زيادة
وأشار العميد عمر إلى أن هذه المكالمات ورغم أنها تؤكد قرب الشرطة من الجمهور، لكنها غير طارئة وربما تهدر وقت الشرطة الأجدى استثماره لإغاثة المحتاجين للمساعدة، والمعاناة الحقيقية تكمن في عدد المكالمات، على رقم النجدة، الذي تلقى مليونين و940 ألفاً و183 مكالمة خلال العام الماضي 2014 بنسبة زيادة بلغت 13% عن العام 2013 حيث كانت مليونين و513 ألفاً و538 مكالمة، لافتاً إلى أن الكثير من المكالمات غير الطارئة مصدرها أشخاص ثقافتهم بسيطة، ولا يدركون مدى تأثير أفعالهم تلك على العمل الشرطي، خاصة حين يتصلون على الطوارئ ويستفسرون عن أشياء لا علاقة لها بالأمن، إذ تحرص شرطة دبي على تنظيم حملات توعية سنوياً بالتعاون مع 12 جهة حكومية وخاصة، لعدم إشغال رقم الطوارئ إلا في الحالات الطارئة.
حالات طارئة
وعن المكالمات الطارئة التي تصب في صميم الخدمة، أطلعنا العميد الشامسي على بعض منها مثل: الاتصال الذي ورد من سيدة عربية عند الرابعة فجراً وكانت تقود سيارتها على شارع الشيخ محمد بن زايد، وهمست بصوت خافت «أنا عند مخرج»، وحاول المتلقي التحدث معها إلا أنها لم تجب، ومن خلال الأنظمة المتطورة في الغرفة، تم التعرف على موقع صدور المكالمة والوصول إلى مكانها، ليتضح أنها تعاني غيبوبة سكّر، إلى جانب معاناتها من ضيق في التنفس، فتم إسعافها وإنقاذها.
حالة أخرى لطبيبة كندية استغاثت برقم الطوارئ طالبة البحث عن زوجها المريض بداء السكر، الذي خرج لجلب البريد وتأخر ولا يجيب على هاتفه، فحاول أفراد الغرفة الاتصال به لكن دون جدوى، وسريعاً حددوا موقعه من خلال رقم الهاتف، ووصلوا إليه في الوقت المناسب، وأنقذوه من موت محقق نتيجة غيبوبة السكّر.
عارضة أزياء
وقال العميد الشامسي: في واقعة أخرى، اضطر أسترالي يعيش في أستراليا، للاستعانة بصديق من بني جلدته يقيم في دبي، بعد أن شعر بنية صديقته عارضة الأزياء الأسترالية التي تقيم هي الأخرى في دبي الانتحار، فاستنجد الصديق برقم الطوارئ وشرح لهم الأمر، فطلب المتلقي رقم هاتف الشخص الآخر الذي يعيش في أستراليا لاستيضاح الأمر، والحصول منه على معلومات تفيد في الوصول إلى المستهدفة وإنقاذها، ثم اتصل والدها ليخبرنا عن اسم المنطقة التي تقيم فيها، وطلبنا منه إرسال صورة لابنته، وعلى الفور بدأت دورياتنا البحث عنها، حتى تعرف عليها أحد حراس البنايات في المنطقة، وأفادنا برقم شقتها، وعلى الفور صعد فريقنا وأنقذها بعد أن كانت في حالة إغماء وإعياء نتيجة محاولتها الانتحار.
حالة أخرى عبارة عن اتصال ورد من آسيوية لا تتكلم لكنها تكرر الاتصال، وعاود المتلقي الاتصال ففتحت الخط ولم تجب، وعلى الفور تم التعرف على موقعها والتوجه إليها، ليتضح أنها كانت قاب قوسين أو أدنى من الموت نتيجة إصابتها بضيق تنفس شديد ناتج عن إصابتها بمرض الربو.
القيادة والسيطرة
يطلق اسم القيادة والسيطرة على غرفة العليات لأنها تقود وتسيطر على الموارد الأمنية، وهي المحرك والموجه لسيارات الإسعاف، والغرفة مزودة بشاشات ضخمة توضح خريطة المدينة التي تضم الدوريات وأماكن الحوادث المرورية، وأماكن الحراسات كالقنصليات وغيرها، وهذه الشاشات تتيح مراقبة مواقع الحوادث لتقييمها والتصرف على أساسها، إلى جانب النظام الذي يبين الأشخاص المشغولين حالياً بتلقي مكالمات طارئة والمتاحين للرد، والذي يقيس يومياً أداءهم في تلقي المكالمات من أجل تحقيق الهدف الاستراتيجي المنشود.
وقد حصلت الغرفة على جوائز كثيرة، منها جائزة حمدان بن محمد الإلكترونية فئة بناة المدينة، العام الماضي 2014، وجائزة سمو وزير الداخلية في دورتها الثالثة، وهي أول إدارة على مستوى حكومة دبي، تحصل على جائزة دبي للأداء الحكومي المتميز في دورتها الأولى.
إنقاذ
«أمنك بلمسة زر» منظومة استغاثة من شرطة دبي داخل وخارج الدولة
يحظى مشروع «أمنك بلمسة زر» الذي أطلقته شرطة دبي، بإعجاب المواطنين والمقيمين في الدولة، بعد أن أثبت كفاءة وفاعلية منذ إطلاقه، سواء داخل الدولة أو خارجها؛ في أكثر من 11 دولة أوروبية وخليجية، منها ألمانيا وسويسرا وتايلاند والصين وهولندا وانجلترا وروسيا.
هذا التطبيق، كما أفادت شرطة دبي، ساهم في إنقاذ حياة لاعب كرة الطائرة الإماراتي، عندما تعرض لأزمة صحية في روسيا، والذي لجأ للتطبيق مباشرة، وتم التعامل مع حالته على وجه السرعة.
«أمنك بلمسة زر» عبارة عن منظومة استغاثة إلكترونية متكاملة ومكتملة المراحل، تربط سكان الدولة في الداخل والخارج، بمركز القيادة والسيطرة بالإدارة العامة للعمليات، مع منح الأولوية لكبار السن، ومرضى القلب، وذوي الاحتياجات الخاصة، والأشخاص الذي يعيشون بمفردهم.
وتتوفر المنظومة في شكلين؛ الأول معصم أو ساعة إلكترونية ذكية يرتديها المريض أو الشخص الذي بحاجة ماسة إلى مساعدة فورية، وبكبسة زر تُرسل إشارة إلى غرفة العمليات بشرطة دبي، أن هذا الشخص بحاجة إلى مساعدة فورية، لتوجِّه الغرفة، دون الحاجة إلى إعادة الاتصال بالشخص المعني، أقرب دورية شرطة أو إسعاف أو فريق إنقاذ في دقائق معدودة، شريطة تسجيل الشخص بياناته الشخصية لدى غرفة العمليات بشرطة دبي.
أما الشكل الثاني للمنظومة فهو تطبيق يتيح للشخص في أي مكان من العالم، التواصل مع غرفة عمليات دبي في غضون ثوانٍ معدودة، وطلب المساعدة مع سرعة الاستجابة، بشرط أن يبادر الشخص بتحميل التطبيق على جهازه النقال، وهو متاح في متجري التطبيقات «غوغل بلاي» و«آبل ستور».
رعايا
رقما الطوارئ الأميركي والأوروبي
تحرص شرطة دبي على تقديم أفضل وأشمل الخدمات لأفراد المجتمع مواطنين ومقيمين، لذا اعتمدت رقمي الطوارئ الأوروبي 112، والأميركي 911 في غرفة القيادة والسيطرة، للتعامل مع أي مكالمات تأتي من رعايا هذه الدول الموجودين في الدولة، ويستغرق الوقت منذ تلقي المكالمة إلى حين وصول الدورية إلى مكان الحدث، نحو 10 دقائق، علماً بأن مدة وصول الدورية منذ تلقي البلاغ إلى مكان الحدث 15 دقيقة في الحالات الطارئة، و30 دقيقة في الحالات غير الطارئة.
خدمات نوعية ومعاملة إنسانية ترفع أسهم شرطة دبي
من الملامح النوعية في إمارة دبي، الحميمية التي يشعر بها أفراد المجتمع تجاه عناصر الشرطة، وهم يمارسون دورهم في الحفاظ على الأمن بأعلى درجات اللياقة والتهذيب، إذ تغلب على أفراد شرطة دبي، روح التسامح، وشعور المسؤولية، واحترام القانون، عوضاً عن ممارسة الجباية، وفرض الغرامات، وتحرير المخالفات؛ تلك شهادة بالإجماع بحق شرطة دبي.
خدمة أمنية
في هذا الصدد، تطرق محمد صلاح الشوملي إلى خدمة (SOS) المجانية، التي تتيح لمستخدميها المواطنين والمقيمين، حال الاشتراك بها، الحصول على خدمة أمنية إنسانية لمن يحتاجون إلى رعاية طارئة، أو تاهوا في مناطق نائية، مثل الصحراء أو البحر، ويفتقرون إلى سبل الاتصال عبر الجوال، مشيراً إلى أنه في مثل هذه الأوقات من العام، تلجأ عائلات كثيرة إلى التنزه في البر، لقضاء أوقات ممتعة، وقد يحدث أن يضلّ البعض طريق العودة، وهو ما يؤكد جدوى هذه الخدمة وأهميتها، علاوة على كونها ركيزة أمان أثناء التواجد خارج الدولة.
استجابة فورية
أما منى بدر فأوضحت أنها تعيش مع والدتها المسنة، وتضطر لتركها ساعات طويلة بمفردها في المنزل بحكم طبيعة عملها، وقد وجدت في خدمة «أمنك بلمسة زر» ضالتها للاطمئنان على والدتها باستمرار، خاصة وأن مقر عملها يبعد كثيراً عن بيتها. وهذه الخدمة تحدد موقع المتصل، وإعادة الاتصال به في غضون ثوان معدودة، لتقديم المساعدة المطلوبة، من خلال جهاز يثبت على معصم المسنين والمرضى المقيدين لدى هيئة تنمية المجتمع والإدارة العامة للعمليات في شرطة دبي، وبمجرد الضغط على زر في الجهاز يتصل بغرفة العمليات مباشرة وبالإسعاف، وتكون الاستجابة في غضون دقائق معدودة.
تعزيز التواصل
وأعرب خليفة علي الملاحي عن استيائه لسوء استخدام الجمهور لأرقام الطوارئ الواجب اللجوء إليها في الحالات البليغة فقط، داعياً أفراد المجتمع إلى وضع الأمور في نصابها، وعدم إشغال خطوط الطوارئ بطلبات بسيطة، ورغم ذلك أكد أن هذا السلوك يعد مؤشراً لنجاح شرطة دبي في تعزيز التواصل مع الجمهور، ما ينعكس إيجاباً على المجتمع، وخير دليل على ذلك شعار الحملة التي أطلقتها الشرطة سابقا «أنا موظف خدمة عامة».
قيمة دولية
ورأى علي الياسي أن السمعة العالمية التي تتمتع بها شرطة دبي، لم تأتِ من فراغ، فهي نتاج جهد كبير، يعتمد بشكل رئيس على الاهتمام بالجمهور داخل الدولة وخارجها، ما يرسخ من قيمة دبي ومكانتها الدولية، لافتاً إلى قيمة الإجراءات التي تتبعها غرفة العمليات في التعامل مع الحالات الطارئة، التي تعزز ثقة السائحين والزوار في أمن دبي ورقي خدماتها.
لمسة زر
رب أسرة كان في نزهة مع عائلته في البر، وأثناء عودته تعثرت سيارته في الرمال ولم يستطع العودة، ولا تحديد موقعه، إلا أن تطبيق «أمنك بلمسة زر»، سهل مهمة خدمة الطوارئ في تحديد مكانه، والوصول إليه، وإنقاذه وعائلته، كل ذلك بلمسة زر. ويتطلب التسجيل والاشتراك في التطبيق إرسال رسالة إلى البريد الإلكتروني sos@dubaipolice.gov.ae، وتعبئة البيانات والمعلومات، وهي: كتابة الاسم بالكامل، والجنس، ورقم الهاتف، والحالة الصحية، وأسماء وأرقام أقارب، ومنطقة السكن، وأسباب الحاجة للتطبيق، لحفظها في السجل المدني لغرفة العمليات.
المصدر: البيان