خاص لـ هات بوست:
“وفد أممي يزور أفغانستان للبحث في حقوق النساء”.
هذا خبر نشرته إحدى الصحف، ربما يكون محط اهتمام النساء الأفغانيات اللاتي يبحثن عن ضوء في ظلام أيامهن، لكنه بالنسبة للقارىء المحايد مثلي لا يعني شيئاً، لا لأن التجارب تعلمنا ألا نعول على الوفود الأممية، إنما لأن الموضوع كما نقول في اللهجة الشامية “فالج لا تعالج”.
فالمسألة في جوهرها تتعدى قوانين طالبان ومن لف لفها، كما أن مشكلة النساء الإيرانيات تتعدى موضوع الحجاب، فقد تتغير الظروف وتتغير القوانين، لكن الأساس يبقى قائماً، يستطيع من يريد أن يستلهم منه ما يريد تحت راية “الإسلام”، ولنا في “داعش” مثال، لن أقول خير مثال، لأن في أمثالها لا يوجد خير، فهي لم تفعل إلا أن فتحت أمهات الكتب “الإسلامية” وطبقت ما جاء فيها، رغم كل الأصوات التي تعالت وما زالت على أنها مأجورة ولا تمثل الإسلام ولا تمت له بصلة، وطالبان أيضاً كذلك، منعت النساء من التعلم والعمل، وحرمتهن الخروج من دون محرم، وضيقت عليهن حياتهن. وكل هذا له إسناد في الكتب التي ما زالت معتمدة من قبل مؤسساتنا الدينية، فلماذا الاستنكار إذاً؟
رب قائلٍ أن هذا الكلام غير دقيق، النساء في بلادنا تنال حقوقها وتدرس وتعمل وتشارك الرجل مسؤولياته، ولا يمكننا التعميم بناءً على ثلة قليلة متطرفة، لكن هذا البعض يتناسى أن المرأة الأفغانية كانت في يوم من الأيام تدرس وتعمل وتشارك الرجل، وأن منابع التطرف هي ذاتها مراجع “الوسطية” إنما التوظيف يتفاوت وفق الظروف، وطالما المصادر موجودة سنبقى عرضة لتطبيقات الأحكام المستنبطة منها، تارة تنال المرأة، وأخرى تنال الجميع، على اختلاف مشاربهم وتصنيفاتهم، كافرين، مرتدين، ملحدين، وسيبقى هناك من يجدها سلاحاً يمكنه النيل من الإسلام عند الحاجة.
والمشكلة متشعبة، لها فرعان على الأقل، النصوص التي تساوي بين المرأة والحمار والكلب الأسود من جهة، وما ترسخ في الأذهان من نظرة دونية للأنثى، أذهان النساء والرجال معاً، من جهة أخرى.
من الفرع الأول استلهمت القوانين التي تضطهد المرأة وتعتبرها ضلع أعوج، حتى أن بلادنا “العلمانية” لا تعتبرها مواطنة كاملة الأهلية وبالتالي لا يمكنها أن تمنح ابنها جنسيتها، وما زال في بلدان كثيرة ما يسمى جريمة “الشرف” والعذر المخفف لمرتكبها، والإجحاف الموجود في قوانين الأحوال الشخصية يستند على كتب الفقه ليس إلا، وإن كانت المرأة في كل أرجاء العالم قد عانت من الظلم بموجب القانون إلا أنها استطاعت في العالم المتقدم على الأقل أن تحوز على حقوقها.
لكن الأمر يغدو مختلفاً في مجتمعاتنا كونه مرتبط بالدين والحلال والحرام، وهنا يكمن الفرع الثاني من الموضوع، فالتعامل مع الأنثى وتربيتها على أنها ناقصة عقل ودين، ولأخيها وأبيها ثم زوجها القوامة عليها، جعلها تقتنع أنها ليست كفؤ ولا يمكنها أن تكون مسؤولة عن نفسها بالكامل، فما بالك بالقوامة على أسرتها، رغم تناقض واضح في أحيان كثيرة، حيث تعمل المرأة خارج البيت وداخله وتتحمل وحدها النفقات لكن “ذكر النحل” يسطو على جهدها وقرارها في آن لأنها مقتنعة بأفضليته.
المفارقة أن الإسلام كما جاء في التنزيل الحكيم ونطقه رسولنا الكريم محمد (ص) ليس مسؤولاً عما نراه، بل على العكس، فقد وضع حجر الأساس لعصر المساواة، إذ مرت الإنسانية في طريقها نحو التحضر بعصر الأمومة حيث المرأة هي مركز المجتمع، ثم عصر الأبوة حين أصبح الرجل هو السيد، ثم جاء الإسلام ليساوي بينهما في الخلق والأجر والحساب ويجعل التقوى أساس التفضيل عند الله {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِير} (الحجرات 13)، ويترك القوامة للأكثر كفاءة.
إنما ما حصل أن الإنسانية أبت إلا المضي في طريقها بخطى وئيدة، واحتاجت قرون لتصل إلى المساواة نسبياً، والأنكى أننا نحن “المسلمين” أبينا إلا أن نبقى على ظروف القرن السابع الميلادي في شبه الجزيرة العربية ونأخذ من كتب الملل السابقة وتطبيقاتها ونثبتها على أنها دين، فلا قفزنا كما يفترض بملتنا ولا سرنا كباقي الأمم التي تقدمت.
ما نحتاجه اليوم هو تغيير العقول لتقتنع أن الإسلام يحترم المرأة ويقدرها، ولا يسلّعها كحلوى مكشوفة يجب تغطيتها من الذباب، ولا ساعة فاخرة أو رخيصة كما ينظر لها في مجتمعات أخرى، بل هي إنسان له كيانه المستقل، ليس تابعاً لرجل ولا الهدف من وجوده متعة الرجل، وإنما هما شريكان يمكنهما بناء أسرة متوازنة، ومن ثم مجتمع متوازن، ينظر إلى كتب التراث على أنها تاريخ لا يستنبط منه أحكام ولا قوانين، حينها فقط سنستطيع الأمل بأن هناك علاج للفالج.