عبد الله الشمري كاتب و باحث سعودي متخصص في الشؤون التركية
في حائل «نسيت العالم كله»، و»قضيت أياماً سعيدة فيها لدرجة أنني فكرت في قضاء بقية عمري هناك».
هذه العبارات ليست لشخصية عربية، بل لأول رحالة اسكندنافي وهو الرحالة الفنلندي جورج أوغست فالين الذي يعرف بـ «فالين العربي» ويفيد معظم الدلائل بأنه أسلم وسمى نفسه عبد الولي، ويعتبر من أشهر الاوروبيين الذين أجادوا اللغة العربية تحدثا وكتابه وخطا.
وصل الرحالة فالين للقاهرة، حيث لازم بعض رجال الدين المصريين ودرس عندهم وحفظ أجزاء من القرآن الكريم، وبعدها بدأ رحلة داخلية في مصر، ثم غادرها نحو الجزيرة العربية، وكانت محطته الأولى مدينة الجوف، وبقي فيها حوالي ثلاثة أشهر ونصف الشهر، وغادر منها نحو حائل مرورا بجبة.
خلال هذا الأسبوع جاءت فرصة لزيارة جامعة هلسنكي وهى الجامعة التى التحق بها الرحّالة فالين عام 1829 ، وكان طلبي الأول من الجامعة زيارة القسم الخاص بالرحالة فالين بمكتبه في جامعة هلسنكي التابعة للمكتبة الوطنية الفلندية للاطلاع على ارشيفه وكتبه ومخطوطاته.
وفي القسم الخاص به تشعر وكأنك في مكتبة عربية، حيث المخطوطات العربية بخط الرحالة ومخطوطات أخرى عبارة عن رسائل متبادلة مع أستاذه محمد عياد الطنطاوي، وبعض التزكيات والتوصيات التى حملها معه أثناء تنقله في رحلتة العربية انطلاقا من القاهرة فالسويس، مرورا بالعقبة، فعمان، فتبوك، فالجوف، فجبة، فحائل.
الرحالة فالين أحب الجوف كثيرا ومدح كرم وسماحة وطيبة أهلها وكتب أكمل وصف عن منطقتهم : (يعتقد سكان الجوف ان مدينتهم في وسط الدنيا، لذا يطلقون عليها «جوف الدنيا « والواقع ان المسافات التى تفصلها عبر الصحراء المحيطة بها، الى أقرب الأراضي المزروعة تكاد تتماثل فيمكن الوصول من الجوف الى دمشق في سوريا والى النجف أو مشهد علي في العراق والى المدينة في الحجاز والكرك في فلسطين في حوالي سبعة أيام ). كما ان فالين هو أكثر رحالة أوروبي آمن بالدعوة الإصلاحية للشيخ محمد بن عبدالوهاب ويدافع عنها، وكانت أمنيته ان يتابع السفر الى الرياض ( إلا أن حاجته للمال عضته عضا موجعا وحالت دون بغيته، وساعد على ذلك وشاية مستشرق آخر به، وهو هوغارت الذي ادعى انه يعمل لصالح والي مصر محمد علي باشا ما صعب وصوله للرياض (رغم نجاحه في الحصول على تزكية وتوصية من الشيخ عبد الرحمن بن عبد الله ال الشيخ موجهة للإمام فيصل بن تركي ) فقرر التوجه لبيت الله الحرام حاجا، ثم زار المدينة المنورة قبل العودة للقاهرة).
حول الحياة الاجتماعية في حائل يقول فالين: ( حينما قدمت إلى حائل دهشت كثيراً ليس فقط لرؤيتي الصغار الذين تتراوح أعمارهم بين ثلاث واثنتي عشرة سنة في مجالسة كبار السن، ومبادلتهم الحديث، لكن أيضاً أخذ رأيهم في مواضيع تفوق مستواهم، والاستماع إلى ما يقولونه باهتمام. ويعيش الصغار مع آبائهم في محبة وألفة، ولم أر في حائل تلك المشاهد الكريهة المألوفة بمصر، والد حانق يضرب ابنه، ولا رأيت الإذلال الذي يعانيه صغار الأتراك الذين لا يُسمح لهم أبداً بالجلوس أو حتى الكلام في حضرة آبائهم المتغطرسين، ولم أر في العالم كله أولاداً أكثر تعقلاً وأحسن خلقاً وأكثر إطاعة لآبائهم من الحائليين ).
الجميل ان مدينة حائل ستستضيف خلال نهاية شهر أبريل 2014م مؤتمرا علميا عن الرحالة الأجانب الذين زاورا مدينة حائل، وسيكون ضمن الضيوف المحاضرون الباحثون الفنلنديون الذين قضوا الجزء الأكبر من حياتهم في خدمة كتب ومذكرات ورحلات الرحالة فالين.
المصدر: اليوم السعودية