كاتب سعودي
بعكس زملائي الكتاب قررت ألا أكتب عن الغرق الجديد، أي غرق مدينة الرياض عاصمة البلاد التي تقع فيها الوزارات ومقار القرارت، وتشرف عليها بشكل خاص أكثر من هيئة وجهة. أقول صادقا أنني اخترت البعد عن وجع القلب وتعكير المزاج وأذية النفس بالإنفعال الذي لا طائل منه، والغضب الذي يرفع الضغط وقد ينتهي بصاحبه إلى طواريء المستشفى لتبدأ حكاية أخرى لا تقل ألما.
قبل أن تغرق جدة ونحن نكتب عن قرى في محافظات الأطراف تغرقها الأمطار وتجتاحها السيول كل عام لتخلف دمارا شاملا، ولا زال الحال على ما هو عليه.
ولكن لأنه حين تغرق المدن المركزية التي رصدت لها آلاف المليارات فإن الحال يختلف، لهذا عندما حدثت كارثة جدة الأولى قلنا لعل فيها خيرا رغم مأساويتها، لأنها ستكشف عوار القريب والبعيد، القاصي والداني، وسوف تعيد ترتيب الأوراق من جديد ليصلح الحال، لكن حدثت الكارثة الثانية، وأعاد الفساد ترتيب أوراقه ورحنا معه في مسلسل إسمه يا ليل ما أطولك.
لا زلنا نتذكر ذلك الخطاب الحازم القوي لخادم الحرمين الشريفين الذي أكد فيه أن سيف العدل سيهوي على هامة الفساد، وأن العقاب سيطال كائنا من كان إذا ثبت تورطه فيما حدث، ونعرف جيدا أنه يعني ما قاله بعد أن أوكل الأمانة إلى المسؤولين المكلفين بها، لكن مضى الوقت ونحن ننتظر وننتظر وننتظر، ولم تتحدد المسؤولية أو نعثر على واحد ممن ينطبق عليهم وصف كائنا من كان.
هل هي معجزة كي تمر سنوات وملف الكارثة تتداوله الإدارات والمتهمون يناورون ويشار إليهم برموز مبهمة وكأنهم أشباح هبطوا من كوكب آخر. هل عجزت كل أساليب التحقيق والبحث والتحري وجمع الأدلة عن تحديد المذنبين بحق المجتمع، الذين نهبوا أموال الوطن وتسببوا في إزهاق أرواح الأبرياء؟ هل اصبح مستحيلا أن نحدد مسؤولية فرد واحد لا أكثر ونسميه بإسمه؟ هل كل ما حدث فيلم من أفلام الخيال لا حقيقة له، أو كوابيس نائم بعد عشاء ثقيل؟
لأننا لم نحدد كائنا من كان فلماذا لا تغرق الرياض وغيرها، ولماذا لا يستمر مسلسل الفساد ونهب المال العام في مشاريع ورقية تذوب مع قطرات المطر.
فتشوا عنه وحين نجده ستطوى كثير من ملفات الغرق وغير الغرق.