كاتب إماراتي
لا يا سيدي الفاضل، ابن سعادتك ليس عبقرياً كما تتوهم لأنه يستخدم الـ«آي باد» بحرفية كبيرة وهو لم يبلغ الثالثة من العمر بعد، بينما أنت لاتزال لا تعرف كيف تخزن ملفاً على غير سطح المكتب، وقد بلغت من الكبر عتياً، الأمر ليس له أي علاقة بعبقرية ولي عهدكم المصون ولا بطفرة جينية في عائلتكم المشهورة بالـ«دواويح الحمر»، وبنظرة البلاهة الشهيرة، كل ما في الأمر أن أسلوب ونطاق وقابلية التعلم تتغير من جيل لآخر، فهناك فرق كبير بين من رضع الحليب من «مطيحانة» ناقة جاركم (بوصالح)، ومن رضع «الميلوبا» المحسن مع فيتامين (د 3) في رضاعة تحمل شعار محال «هارودز» وتلقمه في فمه جميلة تحمل ملامح آسيوية واسمها «جوزفين»!
كل ما أتمناه قبل أن أتوكل هو أن أرى واحداً من معارفي أو أقاربي لا يجيبني بالجواب ذاته حين أسأله مجاملة عن أخبار «العيال»، مباشرة ينظر باتجاه الدب القطبي في إشارة مستعارة من أفلام بوليوود على التفكير العميق المشوب بقلق من المستقبل وحزن، ويقول لي عن أكبر أبنائه: «يا أخي هالولد ذكي، في حياتي ما شفت ولد بذكائه! بس لو أحصل له على فرصة تعليم مناسبة»!
والمصيبة أنه بعد قيام أبيه بـ«شفطتين» من «المدواخ» خارج المجلس، تود اختبار ذلك الطفل العبقري فتطلب منه «استكانة شاي» فيغيب ساعتين ثم يعود باستكانة فارغة، تنظر للعبقري باستغراب فيجيبك بالذكاء الذي ورثه عن أبيه: «عمو انته ما قلتلي استكانة شاي فيها شاي ولا استكانة شاي فاضية»!
كل يتمنى الأفضل لفلذة كبده ويراه مختلفاً وأكثر ذكاء من عيال (…) الذين يملؤون الشوارع، وهذا هو الباب الذي يشرع لجنون مدارس القطاع الخاص خصوصاً الراقية منها، يخبرني زميل لا يتجاوز راتبه 20 ألفاً بأن أقساط أبنائه الثلاثة تبلغ سنوياً أكثر من ربع مليون درهم و«من دون الباص»! ثم يعبر بحزن عن السبب: إذن فلمن نعمل؟! ولماذا نعمل؟!
المدارس الخاصة (الفئة الذهبية) بالمقابل لا تعكس هذه المبالغات على كادرها فترى في بعض المدارس الخاصة في الإمارات الشمالية مدرسين لاتزال رواتبهم 2000 و2500 فمن أين سيعطي هذا المعلم؟! وما دافعه لتعليم هؤلاء المزعجين؟! تخيل أن رسوم الـ«كي جي ون» في إحدى المدارس الخاصة بطبقة «الوابويي» تبلغ مائة وعشرين ألف درهم! أي ما يعادل أقساط جامعة بريطانية لسنتين ونصف في لندن!
الله يرحم الوالد، أخبرته ذات مرة بأن المدرسة تطلب 20 درهماً لشراء زي رياضي فقال لي: العرب تلعب بالكندورة!
المصدر: الإمارات اليوم