فرنسا تقرر مصيرها اليوم

أخبار

غمامتان تظللان الجمهورية الفرنسية مهد الثورات ومنبع الحريات، يستظل تحت إحداهما الطامحون في رؤية نتيجة للانتخابات مشابهة لما حدث في هولندا عندما خسر اليمين المتطرف على أيدي الهولنديين الذين جددوا العهد مع القيم الأوروبية وقيم الحريات وقبول الآخر، ويضعون آمالهم على مرشح الوسط الشاب الطموح ايمانويل ماكرون الذي يتصدر الاستطلاعات عبر حركته إلى الأمام، إلى جانب السياسي المخضرم فرنسوا فيون ممثل يمين الوسط الذي يعلق أصحاب هذه الوجهة آمالهم عليه أيضاً رغم تسربله بالفضائح التي وضعته في المرتبة الثالثة من نوايا التصويت، وعلى الغيمة الثانية يستظل الطامحون في نتيجة مشابهة لما حدث في الولايات المتحدة عندما وصل اليميني الصارخ دونالد ترامب، بالإضافة إلى آمالهم المعلقة على اليمينية المتطرفة مارين لوبان التي تقف في المرتبة الثانية من نوايا التصويت شاهرة سيف الإقصاء ومعاداة المهاجرين والخروج من الاتحاد الأوروبي، وعلى النقيض يتشارك معها ميلانشون في الخروج من الاتحاد الأوروبي لكن اليساري المتطرف الصاعد بسرعة الصاروخ ليصل إلى المرتبة الرابعة يدعو إلى إعادة إحياء قيم فرنسا التليدة في الحريات والحقوق والمساواة.

ينتظر أن يتوجه اليوم الأحد حوالي 47 مليون ناخب فرنسي للإدلاء بأصواتهم في الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية، وسط تدابير أمنية مشددة بعد أيام قليلة على هجوم شارع الشانزليزيه وسط باريس، حيث جرى نشر أكثر من خمسين ألف شرطي ودركي يدعمهم سبعة آلاف عسكري من عملية «سانتينيل» ينتشرون بصورة دائمة على الأراضي الفرنسية. وهي أول انتخابات رئاسية تجري في ظل حال الطوارئ التي أعلنت إثر اعتداءات 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2015.

وكان الناخبون في بعض الأقاليم الفرنسية في أراضي ما وراء البحار توجهوا إلى مراكز الاقتراع امس السبت للإدلاء بأصواتهم، في وقت لا يزال ربع الناخبين في فرنسا مترددين، وتوحي المؤشرات بامتناع نسبة كبيرة منهم عن التصويت في الانتخابات التي ستكون على ما يبدو أشبه ب«مباراة رباعية، رغم وجود 11 مرشحا. ويتصدر أربعة منهم استطلاعات الرأي، ولو بفارق ضيق جدا، وهم: مارين لوبان (48 عاما) عن حزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف، وفرنسوا فيون (63 عاما) عن حزب «الجمهوريون» اليميني، وماكرون (39 عاماً) عن حزب «إلى الأمام!» الوسطي، وجان لوك ميلانشون (65 عاما) زعيم اليسار المتطرف ممثلا«فرنسا المتمردة». وقد تخطى هؤلاء المرشحون الأربعة الاشتراكي بونوا آمون (49 عاما). والمرشحون الآخرون هم نيكولا دوبون تينيان (56 عاما) وجاك شوميناد (75 عاما) وفرنسوا اسولينو (59 عاماً) وهم من التيار السيادي، والتروتسكيان ناتالي أرتو (47 عاما) وفيليب بوتو (50 عاماً) والنائب والراعي السابق جان لاسال (61 عاماً).

«داعش» يستثمر

وتلقي الهجمات الإرهابية المتكررة في فرنسا والتي وصلت نحو 5 هجمات دامية راح ضحيتها المئات، بظلالها القاتمة على طول البلاد وعرضها، وكان آخرها هجوم الشانزليزيه الذي يتوقع أن يصب الأصوات في صندوق اليمينية المتطرفة لوبان، التي لديها ميزة أخرى وهي دعوتها لخروج بلادها من الاتحاد الأوروبي. وفي السياق رصد مراسلا «التايمز» آدام ساغا وتشارلز بريمر، من خلال حواراتهما في الشارع، ما قالا إنه آراء كثير من الفرنسيين، الذين أبدوا غضبا من بروكسل وسياساتها الأوروبية.

وجاء في التقرير أن البعض كان محبطا، ويحمل ذات مشاعر الخيبة من أوروبا، كتلك التي حملها البريطانيون، وصوتوا بسببها لصالح خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وكتبا: في حالة وصول رئيس معادٍ لأوروبا الموحدة في الانتخابات الفرنسية، فإن ذلك يعني أن التيارات الشعبوية ستنتعش كثيرا في فرنسا، وذلك قبل الانتخابات المقررة في كل من ألمانيا وإيطاليا.

ويخلص التقرير إلى أن كثيرا من الناخبين الفرنسيين ربما سيتجهون يمينا، ما يجعل لوبان أقرب إلى الفوز بالانتخابات، كما أن الإثارة ستستمر في الانتخابات إلى غاية الجولة الثانية من الإعادة، التي ستجري في السابع من مايو/ أيار المقبل.

وكان الرئيس الأمريكي ترامب، اكد في تغريدة له، أن الهجوم سيشكل دعما كبيرا للوبان، لأنها المرشحة الأقوى في الانتخابات، وتعرف ما الذي يجري في فرنسا بحسب وصفه، وأضاف «أن المرشح كلما كان أكثر تشددا مع تنظيم داعش في برنامجه السياسي، سيكون المرشح الأكثر حظا للفوز فيها»،

وكانت جيسون بيرك في صحيفة «الغارديان» علقت على هذه النقطة من منظور مختلف، حيث رأت أن التنظيم يطمح إلى مزيد من الشهرة، وأن فكرة سعيه خلال الهجوم للتأثير على الانتخابات الفرنسية، هي بحد ذاتها نقلة كبيرة واستراتيجية لتنظيمات كهذه. وقالت «إننا لا نعرف كثيرا عما يدور في اجتماعات القادة الكبار ل«داعش»، لكن التنظيم يبدو مثل «القاعدة»، قد تكون له دوافع سياسية لتنفيذ هجمات كهذه، كأن يدفع الناخبين إلى التصويت لصالح مرشحة أقصى اليمين لوبان، وبالتالي سترسل هذه رسالة واضحة للمسلمين في فرنسا وأي مكانة ستكون لهم في المجتمع، ومن هنا تبدأ القلاقل، والتوتر، وتزداد وتيرة تجنيد المقاتلين، ويتحقق له إطالة أمد العنف في داخل المجتمع الفرنسي».

دوامة أم كارثة

أما زميلتها أنجليك كريسافيس في الصحيفة نفسها التي عنونت تغطيتها ب«فرنسا المنسية تتجه نحو الجبهة الوطنية بسبب اليأس والخوف»،كتبت أن الطبقة السياسية في فرنسا متجذرة للغاية ومتعفنة وكل ما يمكنك أن تسمعه في فرنسا هو قول بعضهم «تخلصوا منهم وعلينا أن نبدأ بداية جديدة.»

وعلى الصعيد نفسه يرى هاري دي كوتوفيل، أن الانتخابات الفرنسية قد تكون إما «دوامة أو كارثة»، مضيفا أن الجمهورية الخامسة ستتجه إلى انتخابات الأحد «بمزاج عنيف.» معتبرا أن فرنسا تعيش حاليا في حالة مضطربة بسبب الهجمات، وأيضا من حيث وجود أربعة مرشحين كلهم غير عاديين، ويرى الكاتب أن المرشحين الأربعة ليست لديهم أي إجابات على سؤال: «ما الذي يجب فعله الآن أمام دوامة الهجمات هذه؟» لكنهم متفقون أيضا على أن الوضع الحالي لا يمكن أن يستمر كما هو عليه الآن.

بينما اعتبرت صحيفة «فاينانشال تايمز»، أن أكثر ما تخشاه فرنسا هو أن تنحصر المنافسة بين أقصى اليمين ممثلا في الجبهة الوطنية، وأقصى اليسار ممثلا في المرشح ميلانشون اللذين يطالبان بخروج فرنسا من الاتحاد الاوروبي، وتقول الصحيفة إن أبرز التخوفات التي ترافق الانتخابات الفرنسية، هي انعكاساتها على الوضع الفرنسي، لأن انتخاب رئيس معاد لأوروبا، سيهدد مستقبل العملة الموحدة، والشراكة الفرنسية الألمانية، التي كانت من أهم مظاهر قوة الاتحاد الاوروبي طوال ستين عاما، بالإضافة إلى أن نتيجة الانتخابات إذا كانت بهذا الشكل فستهدد وجود الاتحاد الأوروبي كله.

العزف على وتر الخوف

تشير معظم استطلاعات الرأي إلى أن مرشح الوسط ماكرون يتفوق قليلا على زعيمة اليمين المتطرف لوبان، يليهما المرشح المحافظ فيون ومرشح اليسار المتطرف ميلانشون وتأمل لوبان، التي تعتزم سحب فرنسا من منطقة العملة الاوروبية الموحدة (اليورو) وإجراء استفتاء حول الخروج من الاتحاد الاوروبي، في تحقيق مفاجأة، مماثلة للفوز الذي حققه الرئيس ترامب في الانتخابات الامريكية، أو التصويت لخروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي.

ومن المقرر أن يتنافس المرشحان اللذان سيحصلان على أكبر عدد من الأصوات في جولة إعادة حاسمة يوم 7 مايو/ أيار المقبل من الممكن أيضا لمرشح ان يفوز في الجولة الاولى بحصوله على أكثر من 50 %من الأصوات الصحيحة، لكن حدث ذلك فقط مرة واحدة على الإطلاق ويبدو أن هذا الأمر مستبعد للغاية هذا العام.

وقالت لوبان التي تراهن على الخوف من الاعتداءات لكسب الأصوات «منذ عشر سنوات، في ظل الحكومات اليمينية واليسارية على السواء، تم القيام بكل ما هو ممكن حتى نخسر الحرب المعلنة علينا».

من جهته، أبدى المرشح فيون الذي أضعفته فضيحة وظائف وهمية استفاد منها أفراد من عائلته، تصميمه على التصدي للارهاب «بقبضة من حديد» وقال «يبدو لي أن البعض لم يدرك تماما بعد حجم الشر الذي يهاجمنا»، ملمحا بذلك إلى الحكومة الاشتراكية.

في الوقت الذي وجه فيه ماكرون انتقادات حادة إلى المرشح فيون نسبة لقيامه بإلغاء بعض الوظائف في سلك الشرطة مغازلا الناخبين الراغبين في التجديد الذين اعربوا عن غضبهم ل«إضعاف الاستخبارات» الداخلية الفرنسية، في انتقاد موجه إلى فيون رئيس الوزراء السابق في عهد نيكولا ساركوزي (2007-2012).

وكانت مرشحة اليمين المتطرف لوبان حصدت بعض الدعم في أول استطلاع رأي أجري بالكامل بعد هجوم الخميس الماضي إلا أن المرشح المستقل المنتمي للوسط ماكرون ما زال متقدما عليها في الجولة الأولى، وأظهر الاستطلاع الذي أجرته مؤسسة أودوكسا لصحيفة «لوبوان» ونشرت نتائجه امس أن ماكرون سيحصل في الجولة الأولى على 24.5 %من الأصوات بما يقل نصف نقطة مئوية مقارنة بالاستطلاع السابق، وجاءت لوبان في المركز الثاني بنسبة 23 %من الأصوات بارتفاع قدره نقطة مئوية، وانخفض التأييد المتوقع للمحافظ فيون ولمرشح أقصى اليسار ميلانشون بنصف نقطة مئوية إلى 19 % بما لا يؤهلهما لخوض الجولة الثانية، وتوقع الاستطلاع تمكن ماكرون من هزيمة لوبان بسهولة في الجولة الثانية من الانتخابات.

وقال جايل سليمان رئيس مؤسسة أودوكسا في ملحوظة ملحقة بالاستطلاع إن ماكرون «لديه الآن فرصة جيدة لتصدر الجولة الأولى وبالتالي ليس من المرجح أن يستبعد»، وكان ماكرون في آخر تصريح له قبل بدء مرحلة الصمت الإعلامي دعا الناخبين إلى عدم الخوف أو الانقسام بعد هجوم الشانزليزيه الذي أودى بحياة شرطي، وقال انه سيعطي الاولوية لمراقبة داخلية أفضل للعثور على الاشخاص المتطرفين والتعامل معهم، وأضاف «نحن شعب حي يحب المستقبل لأننا نبنيه… إن الخيار الذي يجب عليكم اختياره يوم الأحد يجب أن يكون خيارا من أجل المستقبل»، مردفاً «يجب على جيلنا أن يتصدى لهذا التحدي، من خلال بناء مستقبل حول مشروع تقدمي من خلال إعادة أوروبا التي تحمي الناس ولا غنى عنها في مواجهة التهديد الارهابي وفي مواجهة عالم متغير».

فارق ضئيل وخوف من لوبان وميلانشون

مع الفارق الضئيل بين المرشحين الأربعة الذين تصدروا القائمة، يتعين التعامل مع نتائج استطلاعات الرأي هذا العام بمزيد من الحذر على نحو أكثر من المعتاد، خاصة وأن عددا كبيرا بشكل غير عادي من الناخبين قالوا إنهم ربما لن يصوتوا أو إنهم غير متأكدين من خيارهم. تجدر الإشارة إلى أن استطلاعات الرأي ما عادت الوسيلة المثلى لتوقع الفائز في أي انتخابات خاصة بعد أن أتت نتيجة الانتخابات الامريكية بعكس ما قالت الاستطلاعات التي توقعت فوز هيلاري كلينتون بينما حملت النتيجة النهائية فوز ترامب.

وفي حالة الانتخابات الفرنسية هذه يتوقع المراقبون أن تحدث لوبان مفاجأة غير متوقعة في الجولة الاولى أو في جولة الاعادة، وهو نفس التقييم الذي أعطي لمرشح اليسار المتطرف ميلانشون الذي يدعو إلى قيم يسارية جذرية بالكامل عبر حركته المسماة «فرنسا المتمردة». وتثير امكانية فوز هذا الثنائي المرعب وكلاهما من كبار منتقدي الاتحاد الأوروبي ويدعوان إلى الخروج منه في حال عدم تعديل طريقة عمله، مخاوف العديد من المسؤولين السياسيين في أوروبا وخارجها، وقال وزير المالية الألماني فولفجانج شيوبله إن الانتخابات الرئاسية في فرنسا تمثل خطرا على الاقتصاد العالمي، وقال شيوبله «ليس سراً أننا لن نهتف بحماس إذا أسفرت نتائج الأحد عن جولة ثانية بين لوبان و ميلانشون»

كيف يتم انتخاب الرئيس؟

أكد الرئيس فرنسوا هولاند أنه سيتم اتخاذ كل التدابير الضرورية لضمان أمن الانتخابات، مع نشر خمسين ألف شرطي وسبعة آلاف عسكري الأحد، في الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية الفرنسية في 23 أبريل/ نيسان ثم في الدورة الثانية في 7 مايو/أيار، لاختيار الرئيس الجديد الذي سيخلف الاشتراكي هولاند.

فيما وعدت بلدية باريس بإرسال تعزيزات إلى مكاتب التصويت التي ستطلب ذلك وانتهت الحملة الرسمية عند منتصف ليل الجمعة (22,00 ت غ)، ما يحظر على وسائل الإعلام نشر استطلاعات للرأي أو تصريحات للمرشحين قبل انتهاء عمليات التصويت الأحد الساعة 18,00 ت غ.

ينتخب الرئيس الفرنسي بالاقتراع العام المباشر على مرحلتين مع نظام يعتمد الغالبية المطلقة، وذلك لولاية من خمس سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة.

وينبغي أن يحصل المرشح على الغالبية المطلقة من الأصوات التي يتم الإدلاء بها في دورة أو دورتين للفوز، أياً كانت نسبة المشاركة في التصويت من جملة 46,97 مليون ناخب مدرجون على اللوائح الانتخابية، بينهم 1,3 مليون يقيمون خارج فرنسا.

وتفتح مكاتب التصويت ال66546 في فرنسا أبوابها الساعة 8,00 (6,00 ت غ) حتى الساعة 19,00 (17,00 ت غ)، بتأخير ساعة عن الانتخابات الرئاسية السابقة. وتبقى مكاتب التصويت مفتوحة في بعض المدن الكبرى حتى الساعة 20,00 ت غ (18,00 ت غ). وهي أول انتخابات رئاسية تجري في ظل حالة الطوارئ التي أعلنت إثر اعتداءات 13 نوفمبر/ تشرين الثاني 2015.

يحظر القانون الفرنسي نشر أي نتائج باستثناء تلك المتعلقة بنسب المشاركة، قبل انتهاء عمليات التصويت، الأحد الساعة 20,00 (18,00 ت غ)، لتفادي التأثير على الناخبين. ويعقد تأخير موعد إغلاق مكاتب التصويت عمل مؤسسات استطلاع الرأي التي ستكون أمامها مهلة أقصر بساعة لإعداد تقديراتها استنادا إلى عملية جزئية لفرز الأصوات.

المصدر: الخليج