كاتب سعودي
عندما تبدأ الدول العظمى بالانكفاء، فإن التاريخ يقول: إن مناطق نفوذها تضربها الفوضى، أو محاولات الإحلال من دول أخرى، ولا يخفى على متابع أن أميركا، ومنذ تولي أوباما، أعلنت تحولا استراتيجيا نحو آسيا والمحيط الهادئ، وردة نحو الداخل، عجلت بتطبيقها الكارثة الاقتصادية الممتدة من 2008 حتى الآن.. وتبنى الديمقراطيون مبدأ تحويل القوة.. أي لا بأس بعالم متعدد الأقطاب، والاكتفاء بالقوة الناعمة في العالم، وتدخل عسكري محدود في حال الضرورة القصوى.. ولأن الشرق الأوسط، أحد أهم مناطق النفوذ الأميركي، وخصوصا الخليج الذي لم يعد نفطه عصب الحياة في أميركا، بل جزء يسير منها، ولأن التاريخ يقول إن الإمبراطوريات العظمى، إذا أحست بزوال نفوذها تحاول أن تنشر الفوضى لكي تصعب السيطرة من البديل، فقد تبنى التحول الأميركي التحالف مع الإخوان المسلمين كوكيل يحكم المنطقة بوجه إسلامي، ويملأ مناطق الانسحاب، ويضمن أمن الحليف (إسرائيل).. وينشر نموذج الدولة الفاشلة، وكان الربيع العربي فرصة مواتية أو مصنوعة لبدء الانكفاء، وتسليم الشرق الأوسط للحليف الجديد الذي فشل فشلاً ذريعا وسقط معه رهان كبير.. فبدلت ورقة الإخوان بإيران والتحالف مع المحور الشيعي (المنضبط) حسب تصريحاتهم، لكن حجر العثرة نحو انكفاء أمن مع فوضى منضبطة هي دول الخليج، خصوصاً السعودية والإمارات؛ ولأن الربيع العربي أورث الفوضى بدرجاتها في كل الدول التي مر عليها.. فقد سقط كنموذج يمكن أن يحتذي فيه في دول الخليج خصوصا الكبرى منها.. فالقادم إذاً هو تفكيك مجلس التعاون الخليجي عن طريقين: أولهما حماية بعض دول الخليج التي ستنضم للمحور الأميركي الإيراني العراقي الجديد، وثانيهما؛ زيادة البؤر الطائفية وتضخيم الميليشيات ومناوشات الحدود والتعاون بين القاعدة بمسمياتها والإخوان المسلمين.. ولأن القاعدة كانت تبحث عن مال وبشر طوال تاريخها، فلن يكون أكثر أو أغنى من الإخوان كحليف لهم.. لعبة الأمم بدأت ولا رحمة فيها ولا مجاملة، والعالم يدخل حرباً عالمية مصغرة، الخليج أحد ساحاتها، وما فات من فوضى الربيع مقدمات، واللعب حول الحمى، لكن الحمى الآن هو المستهدف.. عقد قادم من الأزمات سيواجه دول الخليج الكبرى.. تغيرت الاستراتيجية من التغرير بالناس والحشد الإلكتروني إلى الاستهداف المباشر الواضح.. لذلك تربع المالكي وأطلق اتهاماته.. ولذلك يعاند إخوة لنا في الخليج ويلعبون بالنار ويغيرون جلد مشاريعهم.. السعودية قلب الإسلام، وأكبر دول الخليج، والإمارات أفضل نموذج اقتصادي في المنطقه هما الهدف.. تمهيدا لمن يحاولون أن يكونوا سيد المنطقة الجديد، إيران والميليشيات المتحالفة معها بعد أن احترق مشروع الإخوان.. لا صوت يعلو فوق صوت الأوطان وأمنها.. والاستعانه بالله ثم التحزم بالشعب والالتفاف حول القادة.. فما فات لا يقارن بحجم ما هو قادم.
المصدر: الوطن أون لاين