كاتب سعودي ويشغل حالياً منصب مدير قناة "العرب" الإخبارية
أحياناً يبحث الصحافي عن قصة فلا يجد، ولكني كنت وما أزال مؤمناً أن هذا غير صحيح، أفضّل كصحافي أن أعترف بعدم رغبتي في الكتابة، ولا أقول بعدم وجود ما أكتب عنه، فحيثما ينظر الصحافي الحقيقي فثمة ما يمكن أن يكتب عنه وينقله للقراء.
مثلاً من حولنا بارجات حربية هائلة، وسفن وطائرات، لا نسمع عنها إلا عند حصول مواجهات عسكرية أو مناورات، ويتذكرها الإعلام عندما تكون هناك تهديدات وتصعيد بالمنطقة، ولكنها عند غياب كل ما سبق تستمر في الإبحار والتجوال من حولنا، في الخليج العربي، وبحر العرب وبعيداً حتى المحيط الهندي.
على متنها آلاف من جنود ومهندسين وأطباء، وكل ما يحتاجونه لتسيير هذه المدن الأمريكية التي تعوم من حولنا، فكيف هي الحياة عليها؟ هذا ما أجابت عنه الصحافية فضيلة الجفال في كتابها «أيام مع المارينز»، التي ستصدر طبعته الثالثة قريباً عن دار مدارك، والذي كان في أصله تحقيقات مطولة نشرتها في صحيفتها «الحياة»، ثم جمعتها وزادت عليها من فكرتها المزدحمة بالأسماء والأحداث، فسجلت فيه بعين الصحافي المراقب تفاصيل الحياة على هذه البارجات والسفن وطائرات الهليكوبتر في ساعات الراحة والانتظار، ثم كيف تنتفض الحياة عندما يتلقون توجيهاً لمهمة، تصف الممرات الطويلة في البارجة، والسلالم اللولبية، الطعام والترفيه والسينما والرياضة والمستوصف، بل حتى عندما يفقد البحارة أعصابهم ويختصم اثنان منهم، فلاحظت أن ثمة قواعد لفض هذا الخصام يسارع إليها من حولهم.
المهم أنها ترى كل ذلك بعيون عربية سعودية، فتنقل بعضاً من الحوارات العابرة مع الضباط والبحارة حول السياسة والمجتمع، ولكنها لا تمضي وقتاً طويلاً هناك، ذلك أنهم «محترفون»، يقومون بمهامهم من دون الالتفات إلى ظرف المكان، لم تخفِ فضيلة أنها كانت جزءاً من حملة علاقات عامة يقوم بها الجيش الأمريكي في المنطقة، ليشرح للمواطنين ما يفعلون في عالمهم، نقلت عنهم بأمانة اعتقادهم أنهم هنا لخدمة أهداف نبيلة بحماية الحرية وحقوق الإنسان، ولكنها نقلت عنهم أيضاً ـ وعلقت هي ـ كيف فشلت كثير من هذه المشاريع.
إنه ليس كتاب سياسة أو يؤرخ للتورط الأمريكي في عالمنا، حرب العراق وأفغانستان، وتداعياتهما على دول الخليج التي استقرت فيها قواعدهم البحرية، وإنما كتاب وصفي لهذا الوجود الضخم من السفن من حولنا والذي لا أعتقد أنه سيختفي قريباً، إنه نوع مختلف من أدب الرحلات.
المصدر: مجلة روتانا