يتساءل الكثيرون: إلى أين تمضي أزمة قطر؟ ثم ماذا بعد؟ على أي مرفأ ستتوقف؟ أو في أي بحر ستواصل الإبحار؟
لا أحد يعرف بالضبط ما هي النهاية المتوقعة للأزمة، بل لا أحد يعرف ما الخطوة التالية.
القطريون يهربون إلى الأمام كل الوقت، والدول المقاطعة تقف في المواجهة ترقب المواقف وتحلل ردود الأفعال وتتحرك أحياناً على أثرها! القطريون يصرحون لوسائل الإعلام هنا، ويرد مسؤولو الدول المقاطعة هناك. سجال متبادل لا ينتهي!
ما هي الخطوة التالية؟ وما المطلوب من الدول الأربع لمواجهة هذا التهور القطري غير المحسوب العواقب؟
ما من منصف يشك في عدالة الإجراءات التي قامت بها الدول الأربع لحماية أمنها ومواطنيها وسلامة بنيتها الداخلية ضد السياسات والمناورات القطرية المشبوهة طوال السنوات الماضية، لكن في المقابل فإن بعض تصريحات مسؤولي هذه الدول وبعض حملاتها الإعلامية تأخذ القضية الأساسية من ميدانها الرئيس وترمي بها في منعرجات شديدة التشابك والظلمة، جاعلة منها قضية رمادية يتأرجح عدلها بين الظالم والمظلوم.
ما الخطوة التالية للحفاظ على عدالة القضية؟ ما الخطوة التالية لتبقى قطر ظالمة جانية على نفسها كما هي حقيقتها؟
لتطوِ الدول الأربع صفحة قطر نهائياً من ملفاتها، ولتبحث في الأرض عمّا يستحق الحياة! فقطر ليست كل شيء، وإنما هي جزء صغير جداً من اهتمامات هذه الدول اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً، ومن الخطأ الكبير أن يُسمّن ويُعملق هذا الجزء ليكون هو المسيطر على المشهد في المنطقة!
في البدء كانت هناك أزمة سلام وأمن في المنطقة بسبب سلوك الدوحة العدواني، ثم اتخذت الدول الأربع قرارها بمقاطعة قطر لإطفاء هذه الأزمة. لكن قطر عادت من جديد لإشعال أزمة ديبلوماسية وإعلامية بسبب هذا الإجراء، فلماذا تتورط الدول المقاطعة وتشترك معها في هذه الأزمة الجديدة؟ لتطوِ الصفحة وينتهي الأمر!
قطر لم تعد جزءاً منا. لتبقَ وحدها في طرف الخريطة، ولتراجع ما تريد ان تراجعه من ملفاتها التاريخية، لكن ليتم كل ذلك بعيداً عنا! لنطوِ صفحة قطر تماماً، ما الذي سيتغير؟ لا شيء سيقلب وجه الكرة الأرضية!
الأهم من وراء مقاطعة الدوحة تحقق:
1- قطر لا تستطيع العودة الآن إلى سابق عهدها في التنسيق والتخطيط مع الجماعات الإرهابية لضرب الأمن في هذه الدولة أو تلك، فعيون المجتمع الدولي بكامله مسلطة عليها. حركتها في هذا الجانب صارت في أدنى مستوياتها، وبالتالي فلا خطر حقيقياً يمكن أن يهدد دول المنطقة في ظل العزل والإقصاء الذي تواجه به حالياً.
2- الدول الخليجية الثلاث أعلنت بشكل رسمي من خلال مقاطعتها قطر، تبرؤَها الكامل من أي علاقة خليجية مشتركة مع هذه الدولة! كانت قطر في السابق تستغل وجودها في المنظومة الخليجية لتمارس أدوارها الفردية المشبوهة باسم دول الخليج مجتمعة. اليوم هناك صوت لدول الخليج، وهناك صوت لقطر، وهذا في ظني من أعظم مكاسب المقاطعة.
3- بعد المقاطعة لن تتمكن قطر بعد اليوم من حضور اللقاءات الأمنية والاستخبارية الخليجية المشتركة، وبالتالي لن تستطيع الاستفادة والإفادة منها في ما يهدد أمن الخليج والدول العربية. ستفقد قطر هذه الميزة المهمة جداً ما سيعطل حركتها جزئياً، ويقلل من أهمية المعلومات التي كانت تحرص على حملها الى حلفائها (خصوم المنطقة) بعد كل اجتماع خليجي مشترك.
4- وضع الإعلام القطري في مكانه الصحيح. العدو في ثوب العدو! كان القطريون عبر إعلامهم الرسمي وإعلامهم غير الرسمي يدسّون السم في العسل كل الوقت. يضحكون لنا من خلال ملامح مذيعي قنواتهم وأقلام صحافييهم، في الوقت الذي كانوا يطعنوننا في ظهورنا باسم نقل الحقيقة أو التعبير عن حرية الرأي! المواطن الآن في الدول الأربع أصبح على دراية كاملة بأن الصديق الذي كان يحمل الأخبار المؤذية في علبة «سولوفان»، صار عدواً بائن العداوة يهاجمنا بأخباره العدائية بلا مواربة أو تخفّ! وبالتالي فلا فرصة بعد اليوم امامه للتشويش أو الخداع باسم الصداقة والأخوة!
5- استطاعت الدول المقاطعة أن ترفع تفاهمات قطر المشبوهة مع تركيا وإيران من تحت الطاولة إلى فوقها، وفي هذا الإجراء فائدتان عظيمتان: تفويت الفرصة على قطر للّعب بخفاء، وهذا ما كانت تجيده جداً في السنوات الماضية، ومعرفة النوايا الحقيقية لبعض الدول الإقليمية الكبيرة تجاه السعودية ومصر والإمارات والبحرين.
لنطوِ صفحة قطر نهائياً، ولنتوقف عن ذكر اسمها في إعلامنا، ولنتجاهلها تماماً في تصريحات مسؤولينا لتبقى وحيدة معزولة مراقبة في جزيرتها. لنقاطعها تماماً، ولنتوقف عن التفكير في المصالحة، فالدوحة حالياً ليست جاهزة أبداً للالتحاق بنا، ولا اظنها بهذا السلوك السياسي الذي تتبعه حالياً مؤهلة للالتحاق بنا في السنوات القليلة المقبلة.
لنقاطع قطر تماماً ونمضي إلى حال سبيلنا، ولنتوقف عن محاولة إخراج الدليل بعد الدليل على تورطها في الإرهاب. هي بالنسبة الينا ماض جميل انتهى وبقي على العالم أن يدرك بنفسه كيف تحول هذا الماضي الجميل إلى حربة مسمومة تهدد السلم والأمن العالميين.
قطعنا العلاقات بمحض إرادتنا وبإجراءات حضارية في منتهى الرقي، فهل يلزم أن نسوق التبرير خلف التبرير لمجرد قطع علاقة ديبلوماسية؟
المصدر: الحياة