كاتب وإعلامي سعودي
تظل قضية المرأة وعملها وخروجها لكسب رزقها في فضائنا الاجتماعي، الشغل والهم لبعض الأجهزة الرسمية.
أشفق على حالنا من تضخيم قضية عمل المرأة، ولكن للأسف أن بعضهم يخاف، ولديه «فوبيا» من خروجها، وكأن الخطيئة مرتبطة بالمرأة، هذه الخواطر مررت بها قبل أيام في إحدى الأسواق الحديثة في شرق الرياض، إذ ذهبت في مساء أحد الأيام للتسوق -وأنا المقل وغير المحب لمثل هذه الرحلات-، ولكن يبدو أننا نتغير للخلف وللأسف، فقد لاحظت كثرة الإعلانات على مداخل المحال، التي كُتِب عليها «للعائلات فقط»، وكنت أعتقد بأنها معلقة فقط كإجراء روتيني، ولكن للأسف خاب ظني، فهناك عند كل محل رجل من الحراسات الأمنية يوقف كل من ليس معه عائلة من الدخول إلى تلك المحال، والغريب أن بعض تلك المحال بها أقسام للملابس الرجالية، وقد سألت أحدهم عن هذا النظام، فذكر أن الوقت المسموح لدخول الرجال هو من الساعة التاسعة صباحاً إلى الثالثة عصراً، وقد تبادر إلى ذهني أن هذه تفرقة وعنصرية ضد الرجل في مجتمعنا الذكوري بالعموم.
حالنا صعبة جداً، فانطلاقنا من حال التخلف، والحال الاجتماعية يجب أن تكون واضحة وغير مترددة، علينا أن نثق بمكونات مجتمعنا، فالشيطان ليس بداخلٍ بيننا، فمثل هذه الأماكن تعج بالمئات من المتسوقين، فأين المشكلة إن دخل رجل لأحد هذه المحال؟ لماذا نشك في هؤلاء؟ ونعتقد بأننا بذلك الضعف والميل إلى ارتكاب الخطيئة -والعياذ بالله. في المقابل، كنت في أحد المراكز في غرب الرياض، التي لها علاقة بالحصول على التأشيرات من السفارات الغربية، وكم كانت المفاجأة سارة وفرحة، إذ إن معظم من يراجع أوراق المتقدمين للحصول على التأشيرات هن من السعوديات، واللاتي يقمن بعملهن بشكل طبيعي، ويقابلن المراجعين من رجال ونساء، وغالبيتهن يرتدين ملابس محافظة، والأمور في ذلك المركز تسير بشكل طبيعي، كما في أي مكان في العالم. مثل هذه الملاحظات تؤكد أن بعض الجهات الرسمية، وبخاصة وزارة العمل، تقوم بجهد لا يمكن إنكاره في برامجها في توظيف المرأة السعودية، في جميع المجالات، وليس فقط في مجالات التعليم والصحة، كما تعودنا على ذلك من عشرات السنين، بسبب أن هذه المجالات قد سيطر عليها جهات محافظة جداً، إضافة إلى أن الكثير من النساء لا يحملن المؤهلات التعليمية للانخراط في مثل تلك الوظائف.
هناك آلاف منهن مثلاً لا يحصلن على شهادات جامعية، فما مصيرهن مثلاً؟ فمن غير المنطق أن نجلب ملايين العمالة الأجنبية، الذين يستنزفون اقتصادنا الوطني في وظائف يمكن أن يقوم بها أبناء وبنات مجتمعنا، المسألة ليست بالتضييق علينا في عمل المرأة، والادعاء أن ذلك سيقود إلى الاختلاط، وكأن الاختلاط في الأماكن العامة بالضرورة سيؤدي إلى الرذيلة، وكأننا شعب يختلف عن شعوب العالم.
وأقول دَعُونا من هذه الخصوصية المزيفة، ولنعش بشكل طبيعي، أما إذا كنا جادين في عملية دخول المرأة إلى سوق العمل ومشهدنا الاجتماعي، فعلينا أن نبتعد عن الفصل القسري بيننا، فالطريقة واضحة وضوح شمسنا الحارقة، وهي بتطبيق القوانين التي تنظم عمل المرأة، كما دول العالم، سواء في حقوق المرأة المهنية أم القضايا التي تتعرض لها مثلاً قضايا التحرش وغيرها، أما العزل الاجتماعي فله ضريبة اجتماعية خطيرة في مسألة التشدد والغلو، فلا يكفي التغني بحقوق المرأة مثلاً في مجتمعنا، وأنها هي الأم والزوجة والأخت، وأن وراء كل رجل عظيم امرأة، فهذه عبارات نرددها، ولكننا على أرض الواقع لا نثق بها في حق من حقوقها وهو العمل.
تضحكني بعض الإحصاءات التي يوردها بعضهم، عن الاغتصاب والتحرش والجامعات النسائية في الغرب، والتي يسوقونها ويخوفوننا بها، وأن المرأة لدينا هذا هو مصيرها إن خرجت للعمل، ومثل تلك الإحصاءات صحيحة، ولكن تلك المجتمعات تعالج تلك القضايا بتطبيق القوانين للقضاء على تلك المشكلات، هذا من ناحية في حالتنا، وكما نتابع توجد لدينا هذه المشكلات الاجتماعية، بل إن عدم عمل المرأة قد يكون من الأسباب الرئيسة لحدوثها.
المصدر: الحياة
http://alhayat.com/Opinion/Akel-Il-Akel/4618522