كاتب سعودي
تقول نتيجة استطلاع حديث لمركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني إن حوالي 67 في المئة من أفراد العينة يرون أن عدم وجود الأنظمة التي تحد من التحرش يؤدي إلى ازدياد الحالات، وتشير آراء بعض المختصين إلى وجود عدة أسباب شخصية وراء تفاقم التحرش الجنسي، لكن الأهم منها جميعا عدم وجود قوانين رادعة.
مصطلح القانون لدينا تكتنفه شبهة مزمنة أدت إلى إصابة الكثير بحساسية منه، شبهة ابتدعها الذين يريدون تسيير مصالح المجتمع وشؤون حياته وفق اجتهاداتهم الشخصية التي يوهمون الناس بأنها نص وروح الشريعة الإسلامية، وعندما يأتي ذكر القانون يصرخون بأن القرآن والسنة هما القانون في ديننا الإسلامي، وهو حق أريد به باطل، وحين يقال لهم بأن من مصلحة المجتمع أن تقنن الأحكام المستمدة من القرآن والسنة تظهر مقاومتهم ويبدأ الهجوم لتسفيه هذا القول واتهام أصحابه بمنظومة الاتهامات المعروفة. هؤلاء يقاومون من أجل مصلحة متوهمة ــ إذا أحسنا بهم الظن ــ في تسيير المجتمع وتشكيله وبقائه على حاله. التقنين يحد من الفوضى ويضبطها ويجعل الفرد على بينة مما هو له وما هو عليه، وهذا ما يناضل أولئك القوم من أجل ألا يحدث.
وللأسف، فقد تم حقن كثير من المؤسسات الهامة بهذا التوجه، فنجد مثلا أن مجلس الشورى يتحسس كثيرا من مصطلح القانون، وحتى عندما تتم مطالبته بنظام أو تشريع ما تحت أي مسمى يختص بمسائل هامة وحساسة، فإن بعض أعضائه يتعمدون تمييع الموضوع ووأده أو في أحسن الأحوال إخراجه بصورة غير مجدية. خذوا ــ مثلا ــ قانون مكافحة التحرش الذي وقف ضده البعض وأماته، وخذوا قانون أو نظام حماية الوحدة الوطنية، وغيرها من القوانين الهامة التي تطالب بها غالبية المجتمع منذ وقت بعيد ولم تصدر. وكذلك ما يختص بتقنين الأحكام القضائية ومشروع تطوير القضاء نجد الأمر لا يختلف كثيرا. القانون أهم وأقوى وأكثر ضبطا من النظام، ومع ذلك تظل حتى الأنظمة مرفوضة في بعض قضايانا؛ لأنهم يريدون استمرارنا في حالة من الفوضى العامة.
القوانين ليست مسألة اختيارية أو ثانوية، بل حتمية لكل المجتمعات البشرية؛ لأنه لا يمكن حماية أفرادها من العبث والاعتداء باستنهاض الأخلاق والضمير والوازع الديني، بل بالقوانين التي لا بد أن تكون واضحة ونافذة ومطبقة على الجميع، وهنا فقط تكون الحياة الطبيعية ممكنة.
المصدر: عكاظ