كاتبة لبنانية
روت صديقة أن زوجها سألها عن الفترة التي عاشتها كطالبة في لندن وما إذا عانت خلالها من الإسلاموفوبيا أو رهاب المسلمين. أجابته بنعم، فهي كانت تشعر ببعض القلق حين تلتقي بمنقبات أو ملتحين في المترو.. ضحك زوجها وأجاب: «أنا قصدتك أنت. هل شعرت برهاب ضدك كمسلمة!».
الحكاية رددتها الصديقة على صفحتها على «فيسبوك» في إطار الجدل الذي أعقب هجمات باريس الأخيرة وتصاعد الحديث عن الإسلاموفوبيا في الغرب.. والحكاية تأتي في سياق سخريتنا من حالنا طبعا ومن تسلل الرهاب الحاصل في الغرب حاليا إلينا حتى بتنا نشك في أنفسنا فنسبق اليمين الغربي في مشاعر الإدانة والتعميم.
صحيح أن الصديقة قصدت المبالغة في إشارتها إلى ذاك الفصام الذي نعيشه أحيانا لكن يبدو أن هناك من أبناء المهاجرين في الغرب من باتوا يسبقون مواطني البلد الأصليين في إشهار مشاعر العداء حيال المسلمين والعرب.. وفي مجال الكراهية فقد تصدرت قناة «فوكس نيوز» الأميركية اليمينية حملة إثارة مشاعر الغضب تجاه المسلمين واتهامهم جميعا بالمسؤولية عن هجمات باريس.. طبعا باشر الأمر مالك القناة الجمهوري «روبرت مردوخ» نفسه الذي غرد على «تويتر» بأن المسلمين جميعا ملامون.
لكن أن توهمنا أن قناة «فوكس نيوز» قد وصلت إلى ذروة جنونها في الكراهية علينا ربما أن نعيد النظر ونتعرف على نجمة اليمين الصاعدة بقوة وهي القاضية والمذيعة «جيانين بيرو».
هذه القاضية استحوذت على عناوين ومقالات جراء مقدمتها التلفزيونية الصاخبة حيث ظهرت وهي تزعق في المشاهدين الأسبوع الماضي «علينا قتلهم» في نهاية خطاب شوفيني يحمل المسلمين جميعا وزر ما ارتكبه قتلة «شارلي إيبدو».. وهذه القاضية الشهيرة ليس فقط ناقضت مبدأ العدالة الذي يفترض بقانونية أن تحرص عليه بل هي نافست أعتى يمنيي قناة «فوكس» في التحريض على المسلمين والعرب.
لكن المذهل في هذه الحكاية هو أن «جيانين بيرو» نفسها من عائلة مهاجرة لبنانية الأصل وبنقرات سريعة على «غوغل» يمكن مشاهدة صورها في احتفالات تكرم أميركيين من أصل لبناني بصفتها واحدة من حكايات نجاح المهاجرين في الغرب.. ليست هذه القاضية فقط بل إن حاكم ولاية لويزيانا «بوبي جيندال» الذي سخر الإعلام البريطاني منه لأنه قال إن هناك مناطق في بريطانيا هي بمثابة محميات إسلامية لا يدخلها غير المسلمين هو من عائلة مهاجرة من الهند.
لقد تفوق كل من القاضية ذات الجذور اللبنانية والحاكم ذو الجذور الهندية على شوفينية خطاب اليميني المعادي للمهاجرين وللمسلمين عموما.. ليسا وحدهما طبعا، فقد انخرط كثر في هذه الموجة، لكن بدت استماتة شخصين يعرفان معنى أن تكون مهاجرا مرتبكا وحالما أمرا جديدا يستحق التوقف عنده.
والردود على يمنية هذه الطروحات أتت من الغرب نفسه.. فرئيس الحكومة البريطانية وصف تعليقات حاكم لويزيانا بأنها «غبية» أما قناة «فوكس» والتي أيضا انخرطت في مقولة إن هناك مناطق للمسلمين في باريس محظورة على غيرهم فهي ستلاحق قضائيا كما أعلنت بلدية باريس.
تلك الوقائع شرعت باب السخرية على مصراعيه ضد اليمين المتعجرف.
فالقاضية «بيرو» باتت مادة تثير انتقادا لاذعا وضحكا من كثيرين وما الفيديو الذي بثه الممثل البريطاني الشهير «راسل براند» سوى واحدة من الرسائل المتهكمة القوية ضد مروجي الإسلاموفوبيا.. أما الفرنسيون فلم تتراجع روح النكتة عندهم رغم مأساتهم إذ سريعا ما نزل مقدمون كوميديون يمثلون دور المتسلل إلى أحياء باريس التي يقطنها مهاجرون فيقرأون مثلا على محل للأطعمة «كباب.. كسكس» حتى يفروا ذعرا وضحكا طبعا.
المصدر: الشرق الأوسط
http://www.aawsat.com/