قالت مجلة «فورين بوليسي» الأمريكية، إن قصر الحكم في الدوحة يشهد الآن ترتيبات «تآمرية» ترجح المصادر الوثيقة بأنها ستحكم تداعيات «أزمة قطر» الراهنة، وتساءلت المجلة واسعة الانتشار «من الذي يحكم قطر حالياً؟» وقالت: «على الورق، هو الأمير تميم بن حمد آل ثاني، ابن الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني (37 عاماً)، الذي تنازل لصالح تميم في عام 2013، إلا أن أوساطاً كثيرة في الشرق الأوسط تعتقد أنه في الواقع الشيخ حمد، المعروف الآن باسم «الأمير الوالد»، هو الذي لا يزال يتحكم في الأمور جميعها؛ وذلك في تقرير بعنوان «مؤامرات القصر في قلب أزمة قطر»، وعرض الباحث المتخصص في الشؤون الخليجية سايمون هندرسون، مجموعة معلومات وتوجهات مستجدة، يعتقد أنها هي التي تقود سفينة النظام في أزمته غير المسبوقة.
وأشار الباحث إلى أن تميم يميل إلى الرضوخ والاستجابة للمطالب الخليجية والعربية، لكن حمد يتعنت في ذلك، مستنداً إلى مزاج شخصي «حاقد» ومعطيات قبلية تؤرقه، على نحو يستدعي متابعة حثيثة من طرف المراجع السياسية، ونقل عن دبلوماسي غربي عاش في الدوحة لسنوات، يكره حمد المواطنين الإماراتيين والبحرينيين، والسعوديين تماماً، وأصر على أن الأب لا يزال سائق الدبلوماسية القطرية.
وقد أعطى الغاز القطري أعلى معدل للناتج المحلي الإجمالي للفرد في العالم. وخلال فترة حكمه، استفاد حمد من هذه الثروة لإنشاء قناة «الجزيرة»، وهي أول شبكة تلفزيونية فضائية في المنطقة، ما أدى إلى زيادة نفوذ قطر بشكل كبير، كما توفر له إزعاج جيرانه بأن وفرت منبراً لأصوات منشقة، فضلاً عن «الوعظ المزعج» مثل داعية الفتنة يوسف القرضاوي. وعلى مر السنين، كان حمد غير متحمس للرد على الاحتجاجات الدبلوماسية على منتوج المحطة الإعلامي، وجاء في التقرير: أن حمد لا يمكنه أن يقاوم فرصة لإزعاج جيرانه العرب الخليجيين حتى لو كان ذلك يخاطر بتفكك مجلس التعاون الخليجي الذي يعد صمام أمان لدول المنطقة إزاء التحديات الإقليمية والدولية.
وقالت المجلة، إن الشيخ حمد شخص «غير محبوب» في قبيلته. ولفت التقرير إلى أن قبيلة آل ثاني تعتبر من أصغر القبائل في منطقة الخليج؛ إذ يصل عدد أفرادها إلى بضعة آلاف فقط؛ لكنها أشارت إلى أنها تسيطر على ثالث أكبر احتياط من الغاز الطبيعي في العالم بعد روسيا وإيران.
ونقلت عن دبلوماسي غربي عاش في الدوحة لفترة طويلة قوله: إن «الشيخ حمد لا يحب الإماراتيين والبحرينيين ويكره السعوديين بشدة… هذا الشيخ لا يزال هو الحاكم الفعلي في قطر على الرغم من تنازله لابنه الشيخ تميم». وأضافت: أن «الشيخ حمد شخص قوي وخطر وله مطامع شخصية كثيرة، ذات مرة استغل زيارة وزير دفاع بريطاني ليحاضر عليه لمدة خمسة أيام عن أصول قبيلة آل ثاني بقوله إنها تعود لمناطق كثيرة وبعيدة بما فيها السعودية».
ونوه التقرير إلى أن السعودية ودولة الإمارات والبحرين، جنباً إلى جنب مع مصر، تقود محاولة لعزل قطر عن طريق قطع الوصلات الجوية وتقييد الشحن وإغلاق الطريق البري عبر السعودية. وأصدرت الدول الأربع قائمة تضم 13 مطلباَ، ومنحت قطر حتى اليوم 2 يوليو / تموز لقبولها.
ولا يبدو أن قطر تنوي الالتزام بتنفيذ المطالب، ويقول عالمون بالشأن القطري، إن الدول الأربع أصيبت بخيبة أمل عندما نشرت الدوحة قائمة بالمطالب. والسؤال هو: ماذا يحدث الآن؟ في المجتمع القطري الأوسع، على الأرجح لا يريدون أن يكونوا على خلاف مع السعودية والإمارات والدول الأخرى. كما أنهم لا يريدون أن يعتمدوا على إيران، التي لديها أجندة في المنطقة، واعتبرت المجلة أن قيادة حمد في قطر لا تحظى باحترام كبير من قبيلة آل ثاني، فيما يقل هذا الاحترام لابنه، مشيرة إلى أن تولي حمد السلطة بعد انقلاب عام 1995 أثار استياء كبيراً داخل القبيلة الحاكمة، وأن هذا الاستياء لم يضعف حتى الآن.
وأضافت: «صحيح أن اثنتين من زوجات حمد الثلاث هن من قبيلة آل ثاني، لكن زوجته الأكثر شعبية، موزة، هي من قبيلة آل مسند أي أن وضع تميم داخل قبيلة آل ثاني لا يعتبر قوياً وهو أقل أماناً من وضع والده». وفي سياق هذا الوضع الغامض «المكائدي» داخل قصر الحكم في الدوحة، ودرجة استعداد حمد بن خليفة للخضوع لمطالب آل ثاني التي يقول التقرير إنها لا تخفي رفضها لنهج حمد وابنه تميم في استفزاز وتهديد أمن الدول العربية المجاورة، فإن الملف الصحي لحمد يحتل مساحة مؤثرة فيما ستؤول إليه الأوضاع «المكائدية» في قصر الحكم. ويشير التقرير إلى أن حمد خفف من وزنه البدني ويظهر الآن أنحف، إلا أن ملامح وجهه لا تخفي أنه معتل صحياً. فما زالت أمراض الكلى تتهدده رغم تأكيدات دبلوماسية بأنه غيّر كلية واحدة.
المصدر: الخليج