كاتب سعودي ويشغل حالياً منصب مدير قناة "العرب" الإخبارية
فوز الرئيس الأميركي باراك أوباما بأربعة أعوام أخرى يدير فيها الولايات المتحدة وبعضاً من العالم، خبر جيد لسورية وأيضاً لدول الربيع العربي.
منافسه رومني لم يكن يختلف معه في مسألة دعم المعارضة وإسقاط بشار، ولكنه كان يحتاج على الأقل ستة أشهر حتى يفعّل أي سياسة تجاه سورية الدامية، التي لن تكون ضمن أولوياته لو فاز. ستة أشهر أخرى في سورية تعادل «دهراً» على الشعب، وآلافاً آخرين من القتلى والدمار، وتقديم أمل لبشار الأسد وحلفائه بأن ثمة فرصة له أن ينتصر، كيف ينتصر؟ لا يهم، انتصاره هو بقاء نظامه ولو على بلاد مدمرة مقسمة.
في ما يخص بلاد الربيع العربي، فرومني كان سيحمل معه رؤية ضيقة متعصبة، تتوجس من حكم الإسلاميين، يكفي أنه سبق لسانه في المناظرة الأخيرة بينه وبين أوباما بفلوريدا، كشف كيف يساوي بين صعود الإسلاميين للحكم في انتخابات حرة هي الأولى في تلك البلدان مع سيطرة «القاعدة» على شمال مالي.
رؤية كهذه كانت ستعطل على الأقل أفكاراً إيجابية بدعم بلاد الربيع العربي في نهضتها الجديدة، وهي الفكرة التي أخذت تتبلور بين عواصم العالم، هذا إن لم ينتهِ بمواجهة معها، تعمّق الانقسامات الحادة فيها والمنشغلة بتصفية الحسابات الايديولوجية على حساب النهوض بالمجتمع والاقتصاد، فثمة يمينيون شرسون في بلاد العرب يتماهون مع اليمين المحافظ الأميركي، مستعدون بقبول نظرية «خراب الديار ولا نجاح الإخوان».
كنت في برلين الأسبوع الماضي، واستمعت الى مسؤول ألماني كبير يتحدث بحماسة عن رغبة بلاده في التعاون مع بلاد الربيع العربي، إلى درجة ملاحظته واهتمامه بحالة مهمة في تحولات دول الربيع العربي لم تحظَ بعد بدراسة عميقة، وهي وجود فجوة بين الحكومات المنتخبة – كان هذا وصفه – وكوادر الدولة الموروثة من النظام السابق الذين لا يزالون في مواقعهم. كان يتحدث تحديداً عن تونس التي زارها وانتبه لهذه الملاحظة المهمة والذكية، وقال إن بلاده مهتمة بمساعدة الحكومة المنتخبة في تونس بتدريب كوادر جديدة تحقق انسجاماً في أداء الحكومة يساعد في تحقيق النهضة المرجوة والإصلاح المطلوب، الذي يحسّن الأوضاع الاقتصادية فيها ويريح أوروبا من عبء جنوب فقير وهجرة غير شرعية وتحديات أمنية.
أفكار التعاون الاقتصادي بين هذه الدول وأوروبا كثيرة، من مناطق صناعية مشتركة إلى استثمارات زراعية واسعة، آخرها «شراكة دوفيل» التي أطلقتها مجموعة الثماني، وهي الدول الأغنى في العالم، بالشراكة مع تركيا وأربع دول خليجية (السعودية والإمارات والكويت وقطر)، وموجهة نحو 5 دول اتفق أنها دول الربيع العربي هي: مصر، ليبيا، تونس، الأردن والمغرب.
هذه الفكرة لا تزال تتشكّل، ولما تنطلق بطاقتها القصوى، فهي متأثرة سلباً بأوضاع دول الربيع غير المستقرة، والرسائل السلبية التي تنبعث من هناك كصراعات الديكة بين الليبراليين والإسلاميين، وتشويشات السلفيين، وتهاويل بقايا الأنظمة القديمة، وفي الجهة الأخرى الأحوال الاقتصادية لدول مجموعة الثماني المشغولة بإصلاح الاقتصاد العالمي، وتعدد أولوياتها ومسؤولياتها، فمن سوء حظ دول الربيع أن إنقاذ اقتصاد اليونان وإسبانيا مثلاً يحظى بأولوية اهتمام الدول الأوروبية في مجموعة الثماني بحكم عضويتهما في الاتحاد الأوروبي ومنطقة اليورو.
رئيس مثل رومني لن يتحمس لمشاريع كهذه، فاليمين الجمهوري الأميركي لا يريد أن يساعد فقراء بلاده فكيف بفقراء العرب؟ أضف إلى ذلك أن الحكومات المنتخبة في تلك البلدان هي إسلامية، وهم يعجزون عن التفريق بين المتطرف منها والمعتدل، فيتعاملون معها بطريقة اقطع الشك باليقين، واليقين عندهم أنهم كلهم سيّئون «ولا يحبوننا»، وثمة من سيتطوع من يتامى الربيع العربي لتأكيد ذلك لهم.
أوباما يتفهم الربيع العربي بشكل أفضل، ومحركاته وتطلعات شعوبه، بالتالي يمكن التفاؤل بأنه سيبحث عن مكان لبلاده في شراكات النهضة المقترحة، حينها ستتسع دائرتها ويقبل عليها من هو متردد ويزداد إقبال من هو متحمس لها.
سورية، لا حاجة الآن للانتظار، فثمة مشروع أميركي يتبلور، واهتمام ظاهر رأيناه في اجتماع الدوحة الخميس الماضي، ولكنه يشوبه غموض يقلق القوى السورية، التي تريد اهتماماً أميركياً ولكنها تخشى «غشامة» الاميركيين، وهو ما عبّر عنه رئيس المجلس الوطني السوري عبدالباسط سيدا بجملة ذكية عندما قال: «ومن الحب ما قتل» في معرض شرحه لاهتمامهم الغريب بمبادرة عضو مجلس الشعب السوري السابق والمعارض الحالي رياض سيف، الذي تتحمس واشنطن لمبادرته لتوحيد المعارضة، وهي مبادرة لا تختلف في خطوطها العريضة عما هو موجود في المجلس الوطني.
أحد التفسيرات أن واشنطن تريد أن تضعف من التأثير أو الوجود الإخواني في المجلس وكذلك في ساحات القتال، ولكن «حبها القاتل» للقوى التي تراها معتدلة، يجعلها تقدم قوى لا وجود لها في الداخل، فتحاول أن تغري العناصر النشطة بالمال والسلاح، فتكون النتيجة مزيداً من التقسيم في ساحة مقسمة أصلاً، في الوقت الذي تتمدد «جبهة النصرة» القريبة من «القاعدة» في الداخل بما يصلها من ملايين من جهات مجهولة، فتغري العناصر المقاتلة النشطة بالانضمام اليها لما لديها من سلاح وفير، وتنظيم فعّال، وأمان من تدخلات مجلس التنسيق المشترك في اضنة وإسطنبول الذي تشرف عليه الاستخبارات الأميركية، والذي يعمل «بغشامة وإقصائية» بحسب قول ناشط سوري.
في النهاية يريد السوريون اهتماماً أميركياً يخرجهم من المستنقع الدامي الحالي، فهم مؤمنون بأنهم أصحاب الكلمة الأخيرة في توفير السلاح وعلى قرار حلفائهم، وحان الوقت أن يفعلوا شيئاً بعدما انتهت الانتخابات، وعلى الرئيس أوباما والسيدة كلينتون تنفيذ خطتهما اعتباراً من اليوم… أياً كانت هذه الخطة.
المصدر: جريدة الحياة