يعود مخرج فيلم “الحي 9” ثانيةً بفيلم آخر من أفلام الخيال العلمي، وفي هذ ه المرة يدور الفيلم حول الذكاء الصناعي. إلا أن الفيلم يفتقر إلى أي ذكاء، من وجهة نظر الكاتب الفني أوين غليبرمان.
يقدم فيلم “تشابي” واحدة من نظريات الذكاء الصناعي، والمفهوم الذي يقوم عليه الفيلم يعد مشوقا فقط من تلك الناحية. في هذا الفيلم، وهو ثالث أفلام المخرج “نيل بلومكامب” (بعد فيلمي “الحي 9″، و “الجنة”)، يُفترض بنا أن ننبهر بالفكرة المستقبلية التي تدور حول وجود إنسان آلي يتحدث، وقد زرعت فيه رقيقة إلكترونية تتيح له تنمية الوعي بما حوله من أشياء.
لكن كل ما يتعلق بالشخصية، بداية من “دماغ” ذلك الروبوت الذي يفكر بسرعة، ومرورا بصوته الذي يجسده بلطف الممثل “تشارلتو كوبلي”، وقلبه الذهبي، يشعرنا كل ذلك وكأننا نسمع أخباراً مكررة.
يُفتتح فيلم “تشابي” بمشهد تقرير إخباري تلفزيوني مفصل حول كيفية وضع حل لمشكلة الجريمة في مدينة جوهانسبرغ عن طريق تجنيد حشد من أفراد الشرطة الآليين التابعين لشركة خاصة. ربما تستغرب بشأن ما إذا كان “بلومكامب” يقلد الفيلم الكلاسيكي البائس عام 1987 “الشرطي الآلي” بلا خجل، كما يبدو لنا ذلك.
والجواب هو: لا شك في ذلك. فهل يظن “بلومكامب” أن مشاهدي اليوم لم يروا ذلك الفيلم للمخرج “بول فيرهيفن”؟
كان “بلومكامب” دوماً فناناً يمزج الكثير ما بين قص ولصق المشاهد والأفكار: فحتى “الحي 9″، برغم كل أصالته الواضحة، كان مزيجاً صارخا من أفلام “يوم الاستقلال” (في سفينة الفضاء الغريبة التي تحوم حول الأرض)، وفيلم “جنود مركبة الفضاء” (في لعبة الفيديو الحماسية حيث ينتشر الغرباء في الفضاء)، وفيلم “الذبابة” (في تحول “كوبلي” البيروقراطي الفظّ) وبالطبع، إضافة إلى فيلم “الشرطي الآلي”. لكن فيلم “الحي 9” لا يزال نموذجا للأصالة، إذا ما قورن بفيلم “تشابي”.
فالفيلم الجديد محشوٌّ بانفجارات نارية، ومجرمين مكروهين. لكن ما يدعو إلى الغرابة هو أن الفيلم يشبه كثيراً فيلم “وصلة كهربائية” عام 1985، وهو فيلم ساخر يقوم أساساً بإعادة صياغة شخصية “إي.تي.” كإنسان آلي محبوب في ذلك الفيلم.
على نفس الشاكلة، يقدم فيلم “تشابي” شخصيته الرئيسية كشيء آلي يعبّر عن البراءة؛ يتوسل إلينا “بلومكامب” كي نراه محبوباً في كل مشهد من مشاهد الفيلم تقريباً. لا يعني ذلك عدم امتلاك تلك الشخصية صفات كثيرة محبوبة بالفعل.
كان “تشابي” قد صُمم من حطام وأشلاء إنسان آلي آخر، فنراه بأذني أرنب تشبه نسخة مصنعة آلياً من خوذة “ميركوري” المجنّحة، وعينان بيضاويتان لامعتان تشبهان ألعاباً آلية صغيرة من فيلم “نوتس آند كروسز”.
رغم ذلك، يبدو الآلي “تشابي” نوعاً ما بدون شخصية مستقلة– فهو مثل محرك مربوط بخلفية جهاز تلفاز قديم. إذ يُختطف صاحبه “ديون” (يقوم بدروه الممثل “ديف باتيل”) من قبل عصابة تتألف من ثلاثة أشرار ذوي سوابق يريدون أن يقوموا بعملية سرقة.
وقد شرع هؤلاء الأربعة في عملية تحويل “تشابي” ليخرج من حالة الخبرة الساذجة؛ من خلال تعليمه كيفية المشي، والتحدث، وكيفية معانقة “مومي” (التي تقوم بدورها الممثلة “يو-لاندي فيسر”، وانتهاءً بكيفية اختطاف سيارة والتصرف بعجرفة واختيال، مثل مشاكسٍ من الأحياء الفقيرة المنبوذة.
متراصون معا
وبالنسبة للمؤثرات الخاصة في الفيلم، نجح الفيلم “تشابي” في تحقيق إنجاز: فنشعر دوماً بأن شخصيته الرئيسية ما هي إلا جسم معدني يجري ويقفز بأطرافه الأربعة، وليس ممثلاً داخل طقم ملابس أو مجسّماً صمم وأُعِدّ من خلال حاسوب.
ليست لدي أدنى فكرة كيف نسّق “بلومكامب” ما بين العديد من مشاهد الفيلم. وفوق ذلك، لم يعد هذا المستوى من السحر الفني يكفي لتُواصل متابعة الفيلم، ولعل البعض لن يفعلوا أبداً.
إن أكثر الأمور تخفيا في فيلم “الشرطي الآلي”، وربما أكثرها دهاءً أيضاً، كانت طريقة عرضها للشخصية الرئيسية المتجسدة في آلة في صورة رجل من حديد، يتحدث برتابة، ويطبق القانون وما طُلب منه القيام به عبر برمجته – ثم يدعون بصيصاً من إنسانيته تتسلل إليك.
في فيلم “بلومكامب”، وعند اللحظة التي تدب الروح في “تشابي”، يتملق ويجثم مرتعداً مثل أي عاجز يائس، وكل حركات جسمه تعبر عن قوله: “أحتاج إلى عناق”. إنه جمهور المشاهدين الذين تجري برمجتهم، لكي يرونه – مُكرهين- ليس كشخصية، بل كدُمية بطل ذي وجدان.
تكمن المشكلة في عدم وجود أي شيء آخر على الشاشة يثير الاهتمام. “باتيل” ممثلٌ جدير بالمحبة، لكنه لا يقوم بما يبين لنا أن اختراعه العبقري يعادل أكثر من منزلة شخص قاصر.
يلعب “هيو جاكمان” دور منافس لشخصية “باتيل” الشرير في المكتب؛ ويتآمر لإطلاق شرطيه الآلي الخاص به –وهو عملاق آلي شبيه بحيوان السرطان البحري، وكأنه خرج علينا تماماً من فيلم “الشرطي الآلي”، ما يجعلك تستغرب كثيراً.
كلما يظهر “جاكمان” في مشهد، وهو يعرض عضلات ذراعه ويتآمر خلف ابتسامة متملقة، يستعيد الفيلم قليلاً من القوة. غير أن المجرمين يبدون ناقصي التطور، وتتعرف عليهم بشكل خاص من خلال الوشم المتوهج على أجسامهم، وطريقة تصفيف شعرهم المشابهة لتلك الخاصة بشعب “موهوك”، السكان الأصليين في أمريكا الشمالية. قد يراودك شعور بالرغبة في إرسالهم إلى مدرسة إصلاحية، وذلك لتصنُّعِهم التمثيل.
فيلم “الحي 9” مشهود بما يرمز إليه من العنصرية، ومن المؤكد أن ذلك هو أحد أكثر أوجهه أصالةً. أما فيلم “تشابي”، حيث يتقلد البطل الآلي سلاسل ذهبية شاذة الحجم لمغني موسيقى “الراب”، فإن الحكاية التي يرمز إليها مبسّطة إلى درجة ينتابك معها إحساس بوخزة حَرَج.
إذ تُعرض شخصية “تشابي” باعتبارها روحاً طفولية تجسد الاضطهاد في إحدى المناطق الفقيرة والمنبوذة. إنه يبتهج منتصراً لأنه يرى أنه قديس في قرارة نفسه. لكن هذه ليست إلا نظرة فوقية.
إن “بلومكامب” مخرج موهوب، لكن فيلم “تشابي” يُظهره كمخرج ثانوي بشكلٍ شائن. ومع أنه مفعم بالنشاط، إلا أن نظرته “التقدمية” تنعكس في شكل قوالب متكررة لا ينبغي تصديقها في المقام الأول.
المصدر: BBC Arabic