بينما يستمتع معظم النقاد الأميركيين بفيلم توم كروز الجديد «حافة الغد»، يبقى التساؤل حول وضع الفيلم الجديد وبطله كروز بين الجمهور الأميركي ومدى تقبله لأي فيلم جديد يقوم ببطولته، حاضرا.
هذا التساؤل مبعثه أن أرقام اليومين السابقين (الجمعة والسبت) وضعت «حافة الغد» على حافة السقوط. فالفيلم الذي سطا على المركز الأول هو «الخطأ في نجومنا» (وهو عنوان يصلح لأن يكون مجازيا إذا ما قصد به نجوم الشاشة) الذي اقتطف نحو 26 مليون دولار من 3173 صالة في شمالي القارة الأميركية (الولايات المتحدة، كندا، المكسيك) في حين كاد «حافة الغد» يبلغ 11 مليونا في 3490 صالة لكنه لم يفعل بعد. إلى المركز الثالث لكن ليس بعيدا مطلقا عن «حافة الغد» يتدلى «ماليفسنت» التي قامت ببطولته أنجلينا جولي والذي جمع في أسبوعه الأول نحو مائة مليون دولار عن 3948 صالة.
خسارة توم كروز للمركز الأول، إذا ما برهن يوم الأحد على ذلك ببقاء الإيراد ضمن الضعيف والمتردد، لطمة للممثل الذي يشترك هنا في فيلم صيف نموذجي. فهو بمثابة هزيمة لنجم سبق وأن تعرضت بعض أفلامه الأخيرة لهزات أرضية لكن ليس من بينها ما يشابه هذه الهزة على مقياس ريختر. وهو أيضا لطمة في وجه فيلم من تلك التي تناسب جمهور الصيف كلف وورنر نحو 178 مليون دولار لصنعه أي أن المرجو هو تجاوزه 450 مليون دولار لاسترداد بعض الأرباح. هذا المبلغ يبدو سقفا عاليا وسط النزوح صوب فيلم «الخطأ في نجومنا». وما يزيد الطين بلة، أن «الخطأ في نجومنا» من إنتاج «فوكس» لم يتكلف أكثر من 12 مليون دولار لإنتاجه وقريب من هذا الرقم لتسويقه وترويجه، ما يعني أنه آيل لتحقيق أرباح بمجرد تجاوز الـ50 مليون دولار، وهو أمر محتمل في غضون عشرة أيام لا أكثر.
«الخطأ في نجومنا» فيلم عاطفي شعبي شبابي من إخراج جديد (جوش بون) وبطولة ممثلين حديثي العهد هما شالين وولي وأنسل إلغورت ومفاده قصة حب بين مراهقين يجدان أن ما يجمعهما هو أكثر مما يفرقهما بما في ذلك اشتراكهما في عوارض مرض السرطان. ليس تماما «قصة حب» الذي بهر المشاهدين سنة 1970 بحكاية الشاب الثري (رايان أونيل) والفتاة الفقيرة المصابة بالسرطان (آلي ماكغرو)، لأنه أذكى بقدر كاف من أن يقع في الميلودراميات العاطفية المتباكية.
أداء متعوب عليه لكن «حافة الغد» ليس فيلما صيفيا فارغا. بالتأكيد أفضل مما وفرته سلسلة «ترانسفورمرز» من الجزء الثاني وإلى اليوم ومن المحتمل جدا طالما أن تركيبة صانعي «ترانسفورمرز» هي على حالها تقريبا أنها ستتغير في الفيلم المقبل. إنه فيلم موقع بمهارة وحرفة جيدة من قبل المخرج دوغ ليمان، من بين أعماله فيلمان من سلسلة «بورن» الجاسوسية لجانب «مستر ومسز سميث» مع براد بت وأنجلينا جولي. في «حافة الغد» يؤدي توم كروز دور مقاتل لم يكن يسعى للاشتراك في حرب كونية حتى وإن كانت دفاعا عن الأرض ضد غزاة من الكوكب الآخر، لكنه يمتثل ويقتل بعد قليل من بداية الفيلم. ثم يولد من جديد في نفس الموقعة. يحارب من جديد ويقتل، ثم يولد من جديد ويحارب ويقتل وهكذا دواليك. لقد علق ويليام كايج (كروز) في تلك الدائرة مثل فأر اختبار لا يستطيع فكاكا.
شيء من هذا شاهدناه في فيلم «غراوندهوغ داي» قبل 20 سنة. الفارق أن بيل موراي لم يكن محاربا هناك بل كان مذيع نشرة الطقس وأن الفيلم، كما أخرجه هارولد راميس، كان كوميديا.
لن يواجه المشاهد اجترار الأحداث ذاتها. صحيح أن كايج سيجد نفسه يعاود حضور الفعل ذاته، لكن المخرج ليمان أذكى من أن يوقع الفيلم ومشاهديه في فعل متكرر طوال الوقت ويسميه فيلما. ما يميزه، إلى جانب توليف جيد وعين على ميكانيكية مشاهد الأكشن، أداء متعوب عليه من قبل توم كروز وهذا ليس جديدا عليه، ولو أن أجواء فيلمه الأخير «نسيان» الغامضة هي التي حدت من إظهار الجانب الدرامي من الفيلم وممثله الأول في المقام الأول.
توم كروز (51 سنة) لم يعد غريبا عن سينما الخيال العلمي منذ أن لعب «تقرير الأقلية» Minority Report سنة 2002. قبل ذلك، لم نشاهده في هذا النوع من الأفلام. بدايته كانت متوهجة بأفلام استفادت من ملامحه الشابة إذ كان في الـ19 من عمره عندما لعب دورا محدودا في فيلم فرانكو زيفيرللي «حب بلا نهاية» سنة 1981. بعده مباشرة في أدوار بطولة تحت إدارة مجموعة من المخرجين الذين لم نعد نرى لهم أفلاما ومنهم، للأسف، فرنسيس فورد كوبولا في «الغرباء» The Outsiders كروز في أفلام ترفيه محضة في «عمل خطر» Risky Business لبول بركمان و«خسارتها» لكيرتس هانسن و«كل الخطى الصحيحة» لمايكل تشابمان وكلها في عام 1983. لكن في «الغرباء» وجد كروز نفسه واحدا من مجموعة من المواهب الشابة مثله يتماوجون في دراما حول عصبتين من الشبان واحدة من فقراء المدينة والأخرى من أغنيائها تتصارعان على فرض سيطرة كل منهما على الأخرى. كروز كان من العصبة الغنية كما حال روب لاو وباتريك سوايزي في حين واجههم كل من مات ديلون ورالف ماكيو وس. توماس هاول وإميليو استيفيز، وهو وحيد كروز في تلك الفترة الذي بقي حيا كأي عمل جدير به أن يبقى في حين تبعثرت الأفلام الأخرى بمجرد انتهاء رواجها.
إضافة مهنية لكنها كانت منصة إطلاق قوية لتوم بعدها دخل في عصبة للأخوين ريدلي وتوني سكوت. للأول قاد بطولة الفيلم الفانتازي الداكن «أسطورة» وللثاني مثل «توب غن» (1986) الذي كان ثاني فيلم ذي طابع عسكري بعد «نياشين» لهارولد بيكر (1981) إلى جانب شون بن وتيموثي هاتون تحت إمرة الجنرال جورج س. سكوت، وبعده مثل «أيام الرعد»، الفيلم الذي تعرف خلاله على الممثلة نيكول كيدمان وارتبط بها سنة 1990.
بعد «توب غن»، الذي دارت أحداثه في كلية للطيران وحمل الوله بتقديم أبطاله الشبان في الجد واللعب والحب، شاهدناه يميل إلى الدراما تحت جناح المخرج مارتن سكورسيزي في «لون المال» (1986) ثم في دراما اجتماعية لروجر دونالدسون في «كوكتيل» (1988). في العام ذاته حفر لنفسه حضورا جادا عبر فيلم باري ليفنسون «رجل المطر» أمام دستين هوفمن، ثم مال إلى الدراما الموجعة أكثر وأكثر في «ولد في الرابع من يوليو» لأوليفر ستون (1989).مثل فيلمه الوسترن الوحيد، «ناء وبعيد»Far and Away لرون هوارد مع نيكول كيدمان مباشرة بعد «أيام الرعد»، ثم لعب دور المحامي أمام هال هولبروك وجين هاكمن في «المؤسسة» المأخوذ عن واحدة من روايات جون غريشم التي تجمع ما بين الحكاية البوليسية والقضايا القانونية كونه كان محاميا سابقا.
نيل جوردان استقطبه في «مقابلة مع مصاص دماء» لجانب براد بت وكرستيان سلاتر (دور مساند) العام 1994، سنتان من بعد أن أطلق في وجه جاك نيكولسون عبارته الشهيرة «أنت لا تستطيع مواجهة الحقيقة» في «بضعة رجال جيدين» فيلمه الثالث ذي الطبعة العسكرية (إخراج روب راينر).
سنة 1996 كانت مفصلا مهما. كان توم كروز قد استوى منذ أكثر من عشر سنوات كنجم أول في إيرادات الأفلام وبين أكثر الوجوه نجاحا أميركيا وعالميا. في ذلك العام قرر توسيع رقعة اشتراكه في العمل السينمائي عبر إضافة وظيفة «المنتج» إلى التمثيل. والفيلم الأول له في هذا المضمار كان «المهمة: مستحيلة» الذي جاء بالمخرج برايان دي بالما (من رعيل كوبولا) لإخراجه. هذا الفيلم حقق نجاحا كبيرا بل الأكبر من بين كل أفلامه حتى ذلك الحين إذ جمع 452 مليون دولار عالميا أيام ما كانت التذكرة ما زالت دون العشر دولارات، أي ما يوازي 700 مليون دولار في أيامنا الحالية.
نجاح الفيلم أدى إلى السلسة التي تعاقب عليها المخرجون جو وو (الجزء الثاني – 2000) وج. ج. أبرامز (الثالث – 2006) وبراد بيرد (الثالث – 2011) وهو الفيلم الذي جرى تصوير بحر من مشاهده في مدينة دبي. هي سلسلة جاسوسية منقولة من مسلسل تلفزيوني في الستينات والسبعينات حول ذلك الفريق الذي تعهد إليه مهام مستحيلة. في مطلع كل حلقة هناك أمر شفهي مسجل على شريط «كاسيت» عندما ينتهي يحترق الشريط. الفريق الآن مسؤول وحده عن النتائج. لم يكن في تلك السلسلة ما هو واقعي (لكنها كانت سياسية تواكب تلك التي لدى صانعي القرار في البيت الأبيض والبنتاغون) ولم يكن من المنتظر أن تكون واقعية عندما انتقلت إلى الشاشة. لكن الجديد هنا هو أن العدو بات أكثر غموضا مما كان عليه الأمر عندما كانت السياسة عبارة عن ملفين أساسيين واحد أبيض (يمثل المصالح الغربية) والآخر أسود (المصالح الشيوعية). في «المهمة: مستحيلة» الأول ضمن كتابه (ثلاثة من أمهر العاملين هم ديفيد كووب وستيفن زايليان وروبرت تاون) المتغيرات التي تلت انهيار النظام الشيوعي. فجأة بات القتال مفتوحا والأوراق مختلطة والعدو ربما كان في الداخل.
غزو فضائي لابد من ذكر أعمال كروز الأخرى خلال تلك الفترة مثل «ماغنوليا» لبول توماس أندرسن (1996) و«جيري ماغواير» لكاميرون كراو (1996) و«عينان مغمضتان باتساع» لستانلي كوبريك (فيلمه الأخير – 1999) و«فانيلا سكاي» لكاميرون كراو (2001) و«الساموراي الأخير» لإدوارد زويك (2003) و«مكمل» Collateral لمايكل مان (2004). لم تكن كل هذه الأفلام ناجحة بل شهد كروز بوادر هوانه عبر بعضها («فانيلا سكاي» و«الساموراي الأخير». لكن المنحى صوب سينما من الخيال – العلمي تأسس خلال تلك الحقبة وبنجاح. المخرج ستيفن سبيلبرغ رغب بالعمل مع توم كروز بعدما قام ستانلي كوبريك بإسناد بطولة «عينان مغلقتان باتساع» (وهو الفيلم الأخير بين كروز وكيدمان اللذين افترقا على أثره) وقام بإسناد بطولة فيلمه حول الحياة المقبلة تبعا لحالة حصار أمني مهيمن تقودها مؤسسة يعمل لها كروز قبل أن يجد نفسه وقد بات مطاردا من قبلها. الفيلم هو «تقرير الأقلية» الذي بات له اليوم صدى أكثر واقعية ضمن هيمنة التكنولوجيا بين يدي المؤسسات الأمنية الأميركية وسواها. حينها قال المخرج سبيلبرغ لهذا الناقد: «بعد كارثة 2001 يمكن لنا أن نتوقع عالما مختلفا كذلك الذي في هذا الفيلم. لا أحد فيه بمنأى عن الملاحقة إذا ما قررت المؤسسة ذلك سواء بالقصد أو عبر خطأ معلوماتي أو حتى تقني».
في عام 2006 وبعدما أخرج سبيلبرغ فيلمين مع توم هانكس هما «أقبض علي إذا استطعت» و«ذ ترمينال» (2002 و2004 على التوالي)، وضع كروز في بطولة فيلمه الخيالي العلمي الثاني وهو «حرب عالمين» المأخوذ عن فيلم من الخمسينات حول غزو فضائي من العالم الآخر يقابله صد من لدن أهل الأرض.. تماما كما الحال في «حافة الغد».
«حافة الغد»، بالنتيجة قد يكون حافة الفشل بالنسبة لكروز. لا يحدث ذلك لأول مرة بل وقع سابقا عندما لعب كروز بطولة فيلم من ملفات الحرب العالمية الثانية هو «فالكيري». إلى جانب أن العنوان يشبه اسم «ماركة» لصنع الأجبان، فشل ذلك الفيلم ومخرجه (برايان سينجر) في التعامل مع المادة فلا هو تشويقي ولا هو حربي ولا هو سيرة ذاتية للضابط الذي حاول اغتيال هتلر.
لكن كروز دائما ما يثب واقفا. هو ممثل جيد أحاط به صيت رسم هالات داكنة حول شخصيته لدى الجمهور. ساعة هو مثلي متخف يلاحق الصحف التي تنشر المقالات والصور حول ذلك، وساعة هو متسلط يسيء معاملة زوجته وأطفاله تبعا لإيمانه بالكنيسة السيانتولوجية ذات السمعة السيئة بدورها. مدى تأثير هذا الصيت على حب الجمهور الأميركي له أمر تقرره الأفلام وهو الآن جمهور أقل شغفا به مما كان عليه جيل الثمانينات والتسعينات. لكن هذا هو أيضا الحال مع جوني دب وويل سميث وجيم كاري من دون غبار يذكر على حياتهم الشخصية. إلى ذلك، وفي سن الحادية والخمسين حاليا، فإن جمهور الشبيبة لن يجد في كروز سوى ممثل أكشن متقدم ومهدد بأن يتحول إلى مثيل لسلفستر ستالون أو ستيفن سيغال أو أرنولد شوارتزنيغر: نجوم من الأمس كبروا على ما يقومون به لكنهم ما زالوا يقومون به.
المصدر: الشرق الأوسط – لندن: محمد رُضــا