كاتبة وباحثة مغربية
سمعت في أخبار الصباح عن مقتل شاب فلسطيني. فكرت: أين كان متوجها؟ لأي برنامج كان يخطط؟ فكرتُ بوالديه: كيف سيقضيان أول أيام رمضان؟
بشكل يومي، صرنا نسمع عن القتلى بالعشرات في دول كليبيا وفلسطين والعراق وسوريا واليمن. صار الموت مجرد رقم بالنسبة إلينا. كيف تتحول الأحلام والمشاريع إلى أرقام باردة نحصيها ونستمر في اقتراف الحياة؟
ذلك الشاب السوري الذي قتل منذ أشهر… كانت له حبيبة في حلب. سيشتريان بيتا بحديقة. سينجبان ثلاثة أطفال…
ذلك اليمني الأسمر. كانت له طفلة يحبها. مشاكسة. مراوغة. يحلم بأن يراها تكبر أمام عينيه. تدرس. تتخرج. تشتغل. تنجح. قتل ولم يعرف شيئا عن مصير الطفلة الصغيرة.
وتلك الشابة الفلسطينية التي قتل زوجها في قصف بينما كانت في زيارة لقريبتها. ماذا ستقول للطفل الذي في أحشائها حين سيسألها عن أبيه؟ كيف ستشرح له أن أباه ولد في الحرب ومات في الحرب، وأن هذا سيكون ربما قدرَه أيضا؟
ذلك الرجل الليبي الذي عاد إلى بيته ليجده حطاما، وتحته دُفنت زوجته وأمه وأطفاله وما تبقى من عقله وقلبه.
تلك الطفلة العراقية التي قتلت وهي في طريقها إلى بيت جدها… توقفت عن الدراسة لأن الحياة اليومية ارتبكت في العراق. كانت تحلم بأن تصير مؤلفة مشهورة تسافر عبر العالم لتتحدث عن الحب وعن الوطن…
تلك المرأة السورية التي قابلتها بالأمس تتسول عند إشارة مرور في الرباط. كم من القهر عبرت لكي تصل من حلب أو دمشق إلى الرباط؟ كيف كانت حياتها قبل أن تصل إلى هنا؟ كم قتل من أهلها؟ كيف كانت تستقبل رمضان، والدخول المدرسي، وأخبار الزواج والموت والولادة؟
أحاول أن أتخيل حياةً لكل هؤلاء. تفاصيلَهم الصغيرة. أحلامَهم. أوجاعَ الحب التي عاشوها. ماذا فعلوا في الليلة التي سبقت قتلهم أو تهجيرهم؟ من أحبوا؟ لمن نسوا أن يقولوا كلاما مهما قبل أن تفاجئهم الحرب والرصاص والقصف؟
لكل هؤلاء أعتذر… أعتذر حين نحولكم إلى مجرد أرقام باردة. أعتذر عن الحياة التي قست عليكم في أوطان بللت شوارعَها دماؤكم ودماءُ من تحبون. أعتذر حين نقترف الحياة ببساطة بينما يقتنصكم موت الغدر بكل جبن.
المصدر: مونت كارلو الدولية