كاتب في صحيفة الحياة اللندنية
لا تستطيع إلا الإعجاب وأنت تشاهد الشيخ أحمد الغامدي الرئيس السابق لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مكة يظهر مع زوجته الكاشفة لوجهها في برنامج بدرية البشر على شاشة «إم بي سي». فالرجل يعرف أنه يضع يده في نار أشعلها المتطرفون منذ عقود ولا يزالون. غير أنه -ومهما قالوا عن أسبابه- أبلغنا رسالة عميقة مفادها بأن هناك ما هو أقوى من أضعف الإيمان.
الشيخ الشجاع لم يفكر بغضب الأوصياء على الدين أو قبيلة «ما» أو عادات لم يأمر بها الله من سلطان، بل إنه وبقناعة مستمدة من التاريخ الإسلامي أيقن أنه على حق، فأقدم على الظهور بعد دعوته من البرنامج، من دون تردد، فلِمَ يخاف وهو لم يُغضب إلا من عشعش الجهل في حياته؟
في المقابل كل الهجوم الذي تلقاه الشيخ بسبب هذا الظهور يثبت للمرة الألف أن هناك الكثير ممن لا يؤمن بالاختلاف، وأن كثيراً منا قد سلَّم عقله رهينة لمن هم كثيراً أدنى منه في سلم الوعي، لمجرد أنه ملتزم بإطار الدين المتشدد، على رغم مخالفة ذلك للشواهد الكثيرة التي نقرأ عنها في سيرة سيد البشر محمد -صلى الله عليه وسلم- أو صحبه الكرام، وكيفية تعاملهم مع زوجاتهم أو بناتهم أو أخواتهم.
قبل أعوام الشيخ الغامدي نفسه وفي حديثه عن الاختلاط، حاول بعض الشباب الذهاب إلى بيته وطرقوا الباب عليه، مطالبين بأن يجعلهم يخالطون عائلته بحكم أن هذا رأيه، وهم يعتقدون أن ما عملوه من الحصافة والمنطق التي ستحرجه، إذ يثبتون بذلك أن الغامدي يطلق بالونات إعلامية فقط. طبعاً تصرفهم يفتقر إلى كل المبررات الأخلاقية والقانونية والعلمية، فليس من صلاحيتهم ولا من حقهم أن يختبروا ما قاله الرجل، وحتى إذا اعتبروا أنه يتصرف بالباطل، فليسوا هم الجهة التي تقوم بالردع أو النصح أو التوجيه أو غير ذلك.
نعود مرة أخرى لردود الفعل، ممن يرون أن الشيخ قد شطح هذه المرة، ولنرى ماذا قالوا عن ظهوره وزوجته في نماذج مختارة:
أحدهم علق على ما حدث قائلاً: من فتن هذا العصر انحلال الغيرة والرجولة تحت ستار الخلاف الفقهي، يعمد أحدهم إلى امرأة خصّه الله بها فيعرضها أمام الناس، فويل لمفتتحي أبواب الفتنة.
وأضاف: المسلم الصادق لا يسمح لمنحرف أن يزعزع ثقته بالأحكام الشرعية، التي عرفها من العلماء الراسخين بأدلتها من الكتاب والسنة، بل يثبت على الحق ولا يتلون.
وقال آخر: إذا رأيت من يتتبع مسائل الخلاف ليُحلّل ما يمكن تحليله باسم البحث عن الحق، ولا تجده يغار على انتهاك المحرمات القطعية فهو صاحب هوى.
وتابع: يفرّق العقلاء بين خلاف الفقهاء وأساليب السفهاء، فمن يُحلل النبيذ في سوق الخمور كمن يؤصّل للعفيفة بكشف وجهها وسط عاريات،
وفي السياق نفسه، وصف عضو هيئة كبار العلماء الشيخ عبدالله المنيع بعض بني البشر بأنهم من ذوي القلوب المريضة، وأنهم قد يلحقون الضرر بالنساء اللواتي أخذن برأي جواز كشف الوجه، مبيناً أن كشف وجه المرأة اختلف فيه العلماء، إلا أنه أكد أن تغطية الوجه حماية للنساء من ذوي «القلوب المريضة».
وأوضح المنيع في تصريح إلى «الوطن» أن الحجاب الشرعي هو التزام المرأة بما يحفظ عليها كرامتها وعفتها، وبُعدها عن أي شبهات من شأنها الطمع فيها من الجنس الآخر، مضيفاً: «الحجاب تغطية كامل الجسد للمرأة، واختلف العلماء فيما لو كان الوجه مما يجب على النساء تغطيته أم لا، فهذا محل خلاف بينهم».
في السطر الأخير من تصريح الشيخ عبدالله المنيع مربط الفرس، فهو ذكر أن العلماء اختلفوا على تغطية الوجه، أما بقية التصريح فهو رأيه الخاص، أي أنه غير ملزم بالنسبة إلى الآخرين، فلم يتطرقوا إلى الحلال أو الحرام، بل عمدوا إلى القذف والشتيمة والتشويه، وهو ديدنهم في تشويه كل صاحب قضية حق لا يملكون الرد عليه.
في الأخير أكرر ما يعرفه الكثير من أن أعداد المسلمين في العالم تتجاوز مئات الملايين، ونسبة من يغطي الوجه من النساء لا تتعدى 1 في المئة، ويعني هذا أن من يقذف أو يشتم أو يتعدى على امرأة لمجرد كشف الوجه، كمن هو يدرج الغالبية الساحقة من المسلمين في خانة الفسق وانتهاك المحرمات والانحراف والتهتك.
المصدر: الحياة
http://alhayat.com/Opinion/Ahmad-AlHinaki/