ليست الوطنية أن تمتدح كلَّ شيء في الوطن. و ليست وطنية أن تُخوّن كلَّ من يشير إلى مواقع الخلل. و فكرة “إما أن تمدح أو أنت خائن” لم تصلح حتى في زمن الديكتاتوريات الشمولية فما بالك بها في عصر الإعلام الجديد.
بعضهم يسيىء للوطن ظاناً أنه ينتصر له. في الوطن – أي وطن – تيارات و أفكار متباينة. المهم أن تقف كلها عند خط أحمر هو أمن الوطن و سلامته. لنختلف فيما بيننا على أفضل السبل لمواجهة المخاطر المحتملة. لكن لا نستغل الوطن لتصفية حسابات فكرية أو شخصية باسم الوطنية و الدفاع عن الوطن.
فينا من يرى في البطالة أكبر مهدد لأمن الوطن. وثمة من يرى مهددا آخر أكثر خطورة. فينا من يرى في تأخير تنفيذ مشاريع التنمية ما يدعو للحذر. و فينا من يرى أن التنمية ليست أولوية. و الدعوة لمحاربة الفساد و المطالبة بمشاركة فاعلة كلها أفكار إيجابية تصب في نهاية المطاف في مصلحة الوطن. و أن ترى في تحديات الداخل ما يهدد أمن الوطن أكثر من تحديات الخارج لا يعني إغفالاً لمخاطر الخارج.
قوة الأوطان منظومة متكاملة من تطوير ظروف الداخل و تحصين الداخل من مخاطر الخارج. المهم هنا أن المصلحة الوطنية العليا هي الهدف مهما تباينت الأساليب و مهما اختلفنا حول الأولويات. أما الانشغال بخصومات وقودها التخوين و التكفير و محاربة أي رأي مخالف إنما يشغلنا و يشتت اهتماماتنا عما هو أكثر أهمية.
نحن أمام ظروف إقليمية جديدة. و نحن نعيش تحديات تنموية و إدارية داخلية ملحة. و لا يمكن أن نهتم بتحديات الخارج و ننسى ظروف الداخل. و ليس ثمة بد من حوار وطني جريء و صادق حول التحديات الحقيقية داخلية كانت أو خارجية. و لكي يتحقق هذا الحوار الصادق علينا أولاً أن نلجم الأصوات التي تصطاد في المياه العكرة، تكفّر حيناً و تخوّن أحياناً أخرى، من أجل لبس ثوب البطولة “الوطنية” بشكل زائف!
نشرت هذه المادة في صحيفة الشرق المطبوعة العدد رقم (٣٠٦) صفحة (٢٨) بتاريخ (٠٥-١٠-٢٠١٢)