لم توفر جائحة كورونا وجهاً من أوجه الحياة المعاصرة إلا وطالته بتأثيراتها، لا سيما قطاع الإعلام، الذي بات لزاماً عليه أن يجيب عن أسئلة متعددة تتعلق بالتحول الرقمي وكيفية تطوير المحتوى المطبوع والرقمي، فضلاً عن كيفية مواكبة التطور السريع الذي يشهده الإعلام الإلكتروني، وكيفية تطوير مختلف جوانب المحتوى الإعلامي ليبقى قيد المنافسة، إضافة إلى التغلب على التحديات المالية التي تواجه المؤسسات الإعلامية، ورسم سبل الخروج من الوضع المتذبذب الذي فرضته جائحة كورونا على مختلف هذه المؤسسات، محلياً وإقليمياً وعالمياً.
وفي مسعى لرسم صورة أوضح عن هذه التأثيرات وتبين مداها، نظمت مؤسسة “هتلان ميديا” حلقة نقاشية عن بعد حضرتها إيلاف، وحملت عنوان “تأثير جائحة كوفيد 19 على قطاع الإعلام”، شارك فيها إعلاميون عرب، سعوا إلى رسم صورة واضحة لمستقبل الإعلام في المنطقة، ودرس سبل تعزيز صناعة المحتوى الإعلامي.
أهداف ومحاور
الجلسة تعتبر الأولى ضمن سلسلة جلسات ينتظر أن تعقد تباعاً، هدفت إلى تسليط الضوء على نتائج استبيان أجرته “هتلان ميديا”، وشهد مشاركة واسعة من إعلاميين وصحفيين من مؤسسات عربية وعالمية. وقد تناول الاستبيان صناعة الإعلام في ظل التحديات التي يواجهها العالم بسبب انتشار فيروس كورونا المستجد، وتأثيرها على قطاع الإعلام بشكل عام، وخلص إلى توصيات بضرورة تسريع التحول إلى الرقمنة بالكامل، مع وضع الآليات والقوانين التي تحكم آلية العمل عن بعد، والاعتماد على مصادر تمويل بديلة لتجنب الأزمات المالية، والتخفيف تدريجياً من المطبوعات الورقية والتركيز أكثر على منصات الإعلام الرقمي.
شارك في الجلسة النقاشية التي تابعت إيلاف وقائعها، وأدارها الإعلامي والرئيس التنفيذي لهتلان ميديا، الدكتور سليمان الهتلان، نخبة من خبراء الإعلام العرب، ضمّت علي جابر، مدیر مجموعة أم بي سي، وحمد الكعبي، رئيس تحرير صحيفة الاتحاد، ومحمد المزعل، كبير المحررين في جلف نيوز، ورضا الحيدر، مؤسس شركة بیتمال السعودية.
حلول إبداعية
قال الهتلان إن الجلسة “تهدف إلى المساهمة في بلورة التوجه الاستراتيجي للإعلام على صعيد المنطقة، في ظل الظروف الاستثنائية التي يعيشها الجميع، من خلال الخروج برؤية واضحة لتطوير الإعلام الرقمي والمطبوع في ظل الثورة الصناعية الرابعة والتقدم التكنولوجي الهائل والسريع، الذي حتم على الجميع ابتكار حلول إبداعية للاستمرار في أداء الرسالة الإعلامية السامية”.
وأكد الهتلان حرص المؤسسة على “مواكبة المتغيرات في قطاع الإعلام، من خلال رصد أهم التحولات التي طرأت على شكل ومضمون المحتوى العربي، في ظل ما يشهده العالم من تطور سريع في تقنيات ومفاهيم وأساليب العمل الإعلامي. من هنا، برزت فكرة الاستبيان والجلسات النقاشية التي تنفذها المؤسسة لتقديم حلول إبداعية جديدة تواكب هذا التطور”.
وأضاف الهتلان أن “التطور السريع فرض على العديد من المؤسسات الإعلامية تغيير طريقة التفكير في صناعة المحتوى، بما يتناسب مع معطيات الإعلام الإلكتروني الجديد”، مشيراً في الوقت ذاته إلى أن الظروف الاستثنائية الحالية دفعت القارئ للبحث عن المصداقية، وأصبح الإعلام الحقيقي المرجع الأساسي للمصداقية.
مصداقية الخبر
وقال جابر إن “جائحة كوفيد 19 سرعت كل شيء، لكن نحن كنا متأخرين عن ركاب قطار الديجيتال عن بقية العالم”، مؤكداً أن “كوفيد 19 أنهت قطاعات بأكملها وأجبرت الجميع على التحول الرقمي”.
وتابع أن من نتائج هذه الظروف الاستثنائية “أن العالم العربي والخليج لا يثق حتى الآن في إعطاء بيانات الكريديت كارت عبر الإنترنت، لكن الجائحة أجبرت العالم العربي على الدفع عبر الإنترنت وأنهت الخوف السابق”.
وعن مصداقية الخبر، أكد الجابر أن “وسائل الإعلام المطبوعة تحمل مصداقية أكبر بكثير من منصات الإنترنت لأن لديها تاريخ من التحقق من الخبر قبل نشره، ويجب أن تستفيد الصحافة المطبوعة من هذه الميزة”، مشيراً في الوقت ذاته إلى أن مقياس النجاح الانتشاري للخبر عبر الإنترنت أكبر من الصحافة المطبوعة، ويجب أن ينظر لذلك القائمين على المؤسسات الصحفية.
وعن الإعلام المرئي، قال الجابر: «توجهنا من خلال منصة شاهد إلى الخدمة المدفوعة المبنية على اشتراك المشاهدين بدلاً من المجانية، لزيادة الاستثمارات في هذا الاتجاه، وهذا يتحتم معه تغيير المحتوى المقدم على شاهد والقناة المفتوحة”، مشيراً إلى أن نسبة مشاهدة المحتوى المرئي المجاني على قنوات “إم بي سي” ارتفعت 18% مقابل المحتوى المدفوع، كما ارتفعت نسبة مشاهدة المحتوى المرئي المجاني على القنوات والمنصات العربية الأخرى 15%.
وأكد الكعبي أن «لدينا في دولة الإمارات العربية المتحدة تجربتان أثناء كوفيد 19 الأولى طباعة الصحف للمشتركين فقط، والثانية مواصلة تقديم الخدمات عبر الإنترنت”. وأضاف: “بعض المناطق في الإمارات شهدت زيادة بمقدار 10% في نسبة الاشتراكات في الصحافة الورقية، مضيفا أن الصحف الورقية لا يزال لها بريقها وقراؤها، ولكن لابد علينا مواصلة التقدم نحو التحول الرقمي لتحقيق انتشار أكبر”.
مستقبل رقمي
وأكد المزعل أن الإعلام الخاص “عانى بشكل كبير جداً مع كورونا بسبب اختفاء الإعلان والموارد، وهناك مؤسسات إعلامية خاصة انهارت، لكن على الجانب الآخر المؤسسات الإعلامية المملوكة للحكومات لم تتأثر”، مضيفاً أن الإعلام العربي، خصوصاً في الخليج، يعاني من فجوة بين الإعلام المملوك للحكومة والمملوك للقطاع الخاص وكانت واضحة قبل كورونا، لكن بعد الفيروس أصبحت أكثر وضوحاً.
وعن الصحافة المطبوعة، قال المزعل إن الجيل الذي يعشق الصحافة المطبوعة يضمحل، والأجيال الجديدة تستخدم الآيفون واللاب توب، فالمستقبل رقمي وديجيتال. وأضاف: “ربما تستمر الصحافة المطبوعة ولكن ستكون رمزية، في مقابل المواقع الإلكترونية المتاحة في أي وقت”، مشيراً إلى أن التحولات الرقمية بدأت منذ سنوات قبل ظهور كورونا، ويجب أن يكون التحول الرقمي هو الأساس ما بعد كورونا، فالزمن يتغير وطبائع البشر تتغير.
وأكد الحيدر أن القنوات الإعلامية المختلفة ستظل موجودة ولن تنتهي، ولابد أن تراعي نوعية ما تقدمه للقارئ، مضيفا أن السوشيال ميديا تلعب دوراً رئيسياً في التفاعل بين هذه القنوات الإعلامية المختلفة.
وأضاف الحيدر أن المعلنين أصبحوا يفكرون بطريقة مختلفة الآن، والميزانيات أصبحت مختلفة، فالمؤسسات تسعى للتعايش وتقديم الخدمة مما يؤثر على عملية اتخاذ القرار بهذه المؤسسات.
تسريع التحول الرقمي
جدير بالذكر، أن استبيان وسائل الإعلام حول جائحة كورونا، الذي أجرته الهتلان ميديا، وهي شركة متخصصة في خدمات العلاقات العامة والتدريب والاستشارات الإعلامية، خلص إلى إسهام الجائحة بشكل كبير في تسريع عملية التحول الرقمي لكافة المؤسسات الإعلامية المطبوعة، والتي كان مخططا لها الانتقال التام إلى الرقمنة خلال السنوات المقبلة، كما لفت الانتباه إلى أهمية الارتقاء بالمحتوى الإعلامي الرقمي في إطار خطة الاستغناء عن الصحف المطبوعة.
المصدر: ايلاف