كاتبة سعودية مقيمة في دبي
يحرص بعض القراء على مراسلة الكاتب الذي يشاركهم صباحاتهم أو يطل عليهم في جريدة، يومياً، أو أسبوعياً. وقبل اختراع البريد الإلكتروني كان البريد يحمل رسائل قلة، وبسبب كلفتها فإنه يندر أن يتكلف أحد كتابة رسالة لكاتب إلا كي يبثه محبته وإعجابه – لأن حمل الكراهية في ذلك الوقت كان ثقيلاً – أو كي يستمتع بالاختلاف معه في أدب وفي براعة تحاول أن تنتصر على الكاتب أو تفحمه في غرور، لكن اليوم مع البريد الإلكتروني ليس هناك أسهل من أن يرسل قارئ لكاتب رسالة. فهي ضغطة زر تجعل الكلمات تطير بسرعة البرق إلى الجانب الآخر من الكاتب. ربما لهذا سهل على القارئ أن يقول كل شيء لكاتبه، حتى لو كان شيئاً لا يقال. بعض القراء يتحمس لطلب مساعدات أو حلول من الكاتب تجعله يشك في نفسه أو يشعره بأنه ولي أمره.
قرأت مرة أن أحد الكتاب تسلّم رسالة من قارئ يطلب منه أن يساعده في شراء قطعة غيار لسيارته لم يجدها في بلاده. وأتذكر قارئة أرسلت تطلب مني أن أشتري لها كتاباً إذا ما سافرت للقاهرة، وعلى رغم أنني مرة أهديت قارئاً كتابين وليس كتاباً واحداً لأنه أقنعني أنه يقوم ببحث مهم، إلا أن هذه القارئة لم تقنعني، فالكتاب الذي طلبته هو رواية من الروايات الرومانسية التي تشبه المسلسلات التركية التي يذهب الناس فيها ويعودون ويركبون السيارات ويجلسون وتنتهي القصة.. قارئ يرسل لك رسالة ليس فيها سوى جملة واحدة تقول «ممكن سؤال؟». ولا تدري إن كان وقتك سيسمح أن تبدأ مع أحد مثل هذه الحوارات وما أدراك ما هذا السؤال الموارب، ربما هو لا يملك في الأصل سؤالاً لكنه يتسلى.
لكن هؤلاء القراء نعمة يجب أن يحمد الله عليهم كل كاتب، فمهما بدر منهم من خفة إلا أنهم أمام قراء المقالات في «تويتر» يصبحون ملائكة، فقراء «تويتر» على رغم أنهم عجلون إلا أنهم يصرّون على ترك تعليقات على مقالك شديدة الاختصار، فيكتب بعضهم «مقال جيد»، وآخر يترك لك تعليقاً يقول إن مقالك «زي وجهك»، وطبعاً هذا يرجع لكوامن قاموس قديم يربط بين وجه المرء وفعله، فيقال سوَّد الله وجهك وبيَّض الله وجهك، وحين ينحط الحديث يصير الوجه جوهر المرء وقيمته، فيقال من زين وجهك، أو ضف وجهك. وقد يتبحر قارئ «تويتر» في نقدك ويقول لك «مسوي فيها كاتب». ولا تدري لماذا خرج هذا الشاب أو الشابة ليتخانق من صباح الله خير مع كاتب؟ إلا أنني متأكدة أنه خرج من منزل يصطخب بعدد هائل من إخوة يتخاصمون، ولم يبق أحد في البيت إلا خاصمه فراح يفرج فيك همه. هناك مثل يقول إن الحر لا يستعبد الآخرين، وأنا أيضاً أعتقد أن الذي يتسلّط عليه أهله ومدرسوه – وأناس آخرون يصعب التصريح بهم – يتسلّط على الناس، لأن أزمة غياب الاحترام هي أزمة تربوية وتعليمية، ومن لا يجد الاحترام في منزله وفي مدرسته لا يستطيع أن يمنحه للآخرين خارجه.
لا تفهموا خطأ بأني أتحسر على قراء زمان، فأنا أؤمن بأن من يتحسّر على الماضي الجميل إنما يعاني من عقدة الحنين، ويحن لذلك الإحساس القديم في عمره الذي ذهب لا غير، لأن العالم يثبت لنا أنه يتطور ويسير قدماً نحو الرفاهية وأسباب الشفاء المتقدم، لكن رغبتنا في السيطرة هي التي تزداد.
المصدر: الحياة