كاتب سعودي؛ كان سفيراً لبلاده في منظمة اليونسكو
( ١ )
لا مجال للتشكيك في أن (العدو) هو أحد العناصر الملازمة لبناء الدولة القوية.
هل رأيتم دولة راسخة ومؤثرة في تاريخ البشرية… كانت بلا أعداء؟!
لكن اختيار العدو له آليات وأخلاقيات بحيث تجعل الدولة في موضع من يزاول عملية دفاعية مبررة وليست عدوانية.
كما أن هذا (العدو) ليس ثابتاً ودائماً، بل هو متغير وفق تغيّر الأحوال المحيطة والمصالح المنوطة بها. لكنّ تغيير العدو يأخذ عادةً زمناً كافياً من أجل تبريره وتمريره.
( ٢ )
ظل العالم العربي عقوداً طويلة متوافقاً على (عدو) واحد وموحّد هو العدو الإسرائيلي / الصهيوني. وبقينا نحن الشعوب العربية على هذه الحال، مهما انشغلنا بعداوات صغيرة لوقتٍ قصير، إلا أننا نعود للعدو الكبير المستديم : إسرائيل.
لكن هذه الحال العدائية المستقرة تبدّلت بشكل مربك وغير مسبوق بسببٍ من أعراض ما سمّي الربيع العربي. ففي الثلاثة أعوام الماضية فقط ترنّحت مشاعر الشارع العربي بين عدو وآخر بديل لأكثر من مرة.
تتزامن عملية تبديل العدو عادةً، بحوارات شعبية تدور جدالاتها حول أيهما أشد خطورة على أمننا القومي والوطني : العدو القديم أم العدو الجديد ؟!
كانت المحطة الأولى لوزن العداوات هي بين إسرائيل في كفّة، وإيران والهلال الشيعي في كفة أخرى. تكاثرت المقالات والنقاشات التي لا تريد أن تقول إن التحرك الإيراني المشبوه في المنطقة هو تحرك عدواني فقط، بل تريد أن تحسم النقاش بإعلان إيران عدواً بديلاً من إسرائيل، لا عدواً آخر معها.
بعد مضي مدة وجيزة، وأثناء حشد المشاعر الشعبية العدائية ضد إيران، جاءنا إعلان عاجل بأن الإخوان المسلمين أصبحوا هم العدو الأول والأشد خطراً من إســرائيل وإيران، وانطـــلقت المقالات والنقاشــات، وأحياناً بنفس الوجوه والأقلام، لتعلن عن «العدو الأول» الجديد.
في غمرة التحشيد ضد الإخوان المسلمين ظهرت في وسائل الإعلام ووسائط التواصل مقاطع إعدامات وحشية و دعوات تكفيرية إقصائية تنمّ عن عدوانية، ليست إسرائيلية ولا إيرانية ولا إخوانية.
هل نحن أمام عملية استبدال عدو جديدة أيضاً ؟!
نعم، «داعش» تطرق الأبواب. هي في الحقيقة لا تطرقها… بل تقتلعها!
بعد أفعال داعش الدموية وما أحدثته من تلبّك للمزاج العربي والغربي، أصبحت الدوائر السياسية والإعلامية هنا وهناك، تسمي جبهة النصرة بالمعارضة السورية «المعتدلة». في شهور مضت لم تكن جبهة النصرة معتدلة في نظر كثير من المحللين للشأن السوري، لكن داعش «المتوحشة» أضفت على «جبهة النصرة» الاعتدال.
تأثيرات المزاج الداعشي يمكن تعميمها على نطاق أوسع لتحسين صورة عدد من التنظيمات أو الحركات الحزبية أو النضالية، فخروج داعش فلسطيني مثلاً سيكون كفيلاً بجعل «حماس» حركة مقاومة معتدلة عند الذين لا يرونها هكذا الآن، وصناعة داعش لبناني أيضاً سيجعل «حزب الله» حركة معتدلة، وهكذا سيكون المشهد مع داعش عراقي و مصري ويمني وليبي وتونسي، بل ربما أن داعشاً إسرائيلياً، سيجعل حكومة السفاح نتانياهو حكومة إجرامية «معتدلة»!
(عداوات ) تُرقّق بعضها بعضاً.
( ٣ )
تبدُّلُ (العدو) أمر مسبوق وطبيعي في كل حضارة وثقافة ودولة، لكن تبديل العداوات بهذه السرعة وتحويل العدو، ليس إلى عدو مؤجل، بل إلى صديق طارئ، هو الذي يربك المشاعر الشعبية ويجعلها في حيرة وتشكّك، ليس من أعدائها، بل من أصدقائها!
المصدر: الحياة
http://alhayat.com/Opinion/Ziad-Aldrees/4630318