كاتب وإعلامي من دولة الإمارات العربية المتحدة
في الوقت الذي كانت العيون فيه ترصد معالم الفرح على وجوه الفائزين في حفل «تحدي القراءة العربي» الأسبوع الماضي، كانت عيناي ترصدان معالم الفرح على وجه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، مطلق هذا المشروع غير المسبوق في التاريخ، الذي دفع ملايين الطلبة العرب، وغير العرب الناطقين باللغة العربية، إلى خوض غمار هذا التحدي ليربحوا جوائزه، فكان الرابح الأكبر هو الكتاب العربي الذي اتسعت قاعدة قرّائه، وكانت الرابحة الكبرى هي القراءة التي تعمل دولة الإمارات العربية المتحدة على إعادة الاعتبار إليها، وجعلها سلوكاً يومياً يمارسه الجميع، وأسلوب حياة للمجتمع كله.
كانت معالم الفرح التي رأيتها على وجه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، وفي عينيه، أضعاف تلك التي رآها الملايين على وجوه وفي عيون أولئك الصغار الذين كان لهم قصب السبق بين الذين شاركوا في هذا التحدي، مشكلين جيلاً فاق كل التوقعات، أثبت لنا أن الأمل كبير بمستقبل تصنعه الأجيال الجديدة، كما قال صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، الذي رد على الرسالة التي وجهها إليه الروائي العالمي «باولو كويلو» قائلاً إنه تأمل في رسالته وتجربته، وتأمل في الخلاصة التي توصل إليها بأن سر الحياة واكتشاف الذات يمران بطريقين لا ثالث لهما، هما القراءة وخوض غمار التجارب، بأن لنا تجربة ورسالة أحب أن يشاركه بها، رسالة بأنه لا مستقبل بغير كتاب، وتجربة عمرها 1000 عام، أكدت لنا هذه الخلاصة.
من يتأمل هذا المشهد يدرك أن قادتنا في دولة الإمارات العربية المتحدة يتخذون مساراً مختلفاً عن المسارات التي نرى دولاً كثيرة في منطقتنا العربية تتخذها.
هذه حقيقة لا ينكرها أحد، وهو مسار ليس الهدف منه مصلحة دولة الإمارات وحدها، وإلا لكان مشروع «تحدي القراءة» إماراتياً مقتصراً على مواطني دولة الإمارات فقط، ولكنه مسار يستهدف مصلحة الأمة العربية كلها، لذلك كان عربياً شمل الوطن العربي كله، الأمر الذي أحدث حراكاً بين الطلبة العرب والقارئين باللغة العربية، ظهر في عدد المشاركين في هذا التحدي، الذي بلغ 3.5 ملايين طالب، وعدد الكتب التي قرؤوها، وبلغت 150 مليون كتاب، مما أسهم في رفع نسبة قراءة الكتب لدى الشباب العربي، قياساً بالمتوسط العالمي لعدد الكتب التي تقرأها شعوب الدول الأكثر تقدماً في العالم، كما قال معالي محمد عبدالله القرقاوي، وزير شؤون مجلس الوزراء والمستقبل، أمين عام مبادرات محمد بن راشد آل مكتوم العالمية، منوهاً بأن الدراسات السابقة الصادرة عن مؤسسات دولية مرموقة كانت صادمة للغاية لجهة تدني الاهتمام العربي بالقراءة، وهو ما عمل مشروع «تحدي القراءة العربي» على تغييره، وفي زمن قياسي.
هذا الزخم الذي تعطيه مبادرات دولة الإمارات العربية المتحدة تجاه دعم القراءة ليس عملاً استعراضياً لكسب الإعجاب، وإنما هو نابع من إيمان عميق وراسخ لدى قادة هذه الدولة بأن القراءة هي القاعدة الأولى التي تقوم عليها نهضة الأمة، لذلك ختم صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم رسالته لكويلو بقوله إنه متفائل بهذا الجيل، ومتفائل بروح التحدي التي رآها، ومتفائل بمستقبل عظيم تحت ظلال الكتاب.
وهو تفاؤل مشترك يجمع بين كل قادة هذه الدولة، فخلال ملتقى الفجيرة الإعلامي الذي نظمته هيئة الفجيرة للثقافة والإعلام تحت عنوان «الإعلام والقراءة.. الواقع والدور المنشود» الأسبوع الماضي، تشرفت والزملاء المشاركون في الملتقى بمقابلة صاحب السمو الشيخ حمد بن محمد الشرقي، عضو المجلس الأعلى حاكم الفجيرة، واستمعنا منه لحديث يثلج الصدر ويرفع الهمم عن أهمية القراءة.
وأثناء الحوار الذي دار بين سموه والمشاركين في الملتقى، أشار أحد الزملاء إلى أنه تحدى الحضور خلال إحدى الجلسات أن يكون واحد منهم قد قرأ العدد الأخير أو الذي قبله من مجلة «العربي» على سبيل المثال، فرد سموه إنه قد قرأهما، وأضاف أنه يحتفظ بجميع أعداد المجلة من العدد الأول حتى الأخير، الأمر الذي جعلنا نشعر بالفخر والاعتزاز بقيادتنا، فهي قيادة لا تكتفي بتشجيع القراءة فقط، وإنما تمارسها، وتقدم النموذج والمثل الأعلى في الحرص على القراءة، وجعلها أسلوب حياة، ومصدراً أولَّ وأساسياً للمعرفة.
هذا التفاعل مع مبادرة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، بإعلان عام 2016 عاماً للقراءة هو إدراك حقيقي لأهمية القراءة، ودورها في بناء شخصية الفرد منذ مرحلة الطفولة، وقد لمست على مدى اليومين اللذين أقيم فيهما «ملتقى الفجيرة الإعلامي السابع» رغبة حقيقية لدى جميع المتحدثين والمتداخلين في أن يقوم الإعلام والتعليم بدور فعّال في تشجيع القراءة، حيث كان التركيز على فئة الصغار واضحاً في مناقشات الملتقى.
وكان من أكثر الاقتراحات التي أعجبتني، دعوة الصديق محمد سعيد الضنحاني، نائب رئيس هيئة الفجيرة للثقافة والإعلام مدير الديوان الأميري، إلى تنظيم ملتقى خاص للصغار، يتم خلاله محاورتهم للاقتراب من فكرهم ومعرفة آرائهم، وتلمس المعوقات التي تحول دون إقبالهم على القراءة، بدلاً من التحاور بمعزل عنهم في شأن يخصهم، وهو مقترح جميل أرى أن تتبناه الهيئة، لأنه ينزل الكبار من البرج الذي يعيشون فيه.
إن قادة يقدّرون القراءة هم قادة يستحقون التقدير، فشكراً لقادة دولة الإمارات الذين يطلقون هذه المشاريع والمبادرات، ويقيمون هذه الملتقيات لرفع نسبة الإقبال على القراءة، وجعلها سلوكاً يومياً.
المصدر: البيان