كاتب سعودي
تضع يدك بقوة على رأسك، تظل فَزِعاً مشلولاً مذهولاً منكسراً حين لا يبعد عنك فعل إرهابي سوى بضعة كيلومترات، تتخيل حينها لو كنت ضحية، شهيداً أو أشلاء موجعة للحظات مرعبة هي امتداد لفكر يتنفس من دون أن نعترف بحقيقة التنفس ولا بالنمو أو قدرته الخطرة على بث الرعب وإحداث الدمار والأسى. «أبها» مدينتي التي أعيشها وتعيشني، ولا أرى شبيهاً لها في المدن، لم تعتد أن تبدأ صباحاتها إلا بعد أن تحدث فيك رعشة تشيء بك للتحوط من برد فاتن، ولا تعانقك في المساء إلا بمعالم البهجة ورائحة الأرض الزكية الطاهرة، «أبها» المدينة العصية على النسيان إذا ما زرتها، الغنية بتسامح أهلها وأهازيج وإغراء فنونها الشعبية المتكئة على الحب والممتلئة به، أبها المتباهية بجبالها وجمالها جنوب السعودية اعتادت أن تصافح الغيم والمطر، وتعانق الريحان وأشجار الطيب، لم تكن للحظة واحدة تظن أن ثمة رعباً سيدهمها ويخلط غيمها بالدمع ومطرها بالدم. جاء الإرهاب في ظهيرة الخميس فاختار مسجداً من مساجدها كما اختار من قبل مسجداً من مساجد «القطيف» فآخر من مساجد «الدمام» وتناول رابعاً في الحبيبة «الكويت»، الإرهاب طائش، مرتبك ووحشي حد قدرته على فعل المستحيل بأي مكان وعلى أية وجهة، أفعاله دليل بشاعته وقذارته وخططه لئيمة مفجعة، «أبها» التي أسكب الحبر منها الآن وأنزف الوجع معه حزِنت كثيراً، عبرت شوارعها بعيد ساعات من الجريمة الإرهابية، وجوه أهلها تأسرك وتكسرك، ذابلة من نزف، لكنهم أقوياء حينما لا يعترف المشهد إلا بالقوة والصمود والصبر وتجاوز المحن، «أبها» لا تحتفظ في ذاكرتها بالجراح، ولم تكن يوماً تغازل محبيها إلا بـ«قلبي حبك والله يا أبها… أنتِ أجمل من الخيال»، لم تسجل في صفحاتها كابوساً ولا سواداً طارئاً، تلتحف بالبياض فقط نبضاً وهواء، احتفظت باختلافها وضوئها وإبهارها وتسامحها، قدمت فنها، عاشت بلا شكوك وقاومت من لا يريدها هكذا، رمقت التطرف والتشدد بفطرة خالصة وإن حاول الدخلاء كما حاولوا في مدن أنيقة أن ينشبوا أظفارهم المتسخة في ساحاتها ومساحاتها ويعبثوا بالعقول ويختصروا لهم الحياة بلذائذها ومتعها في تجهم وعبوس وظلام وإقصاء حتى تصل القاطرة لاستباحة دماء، إيقاد فتن، إخلال أمن، وتنتهي بحزام ناسف وتفجير مؤخرة.
الإرهاب فعل وفكر، فكر يهيئ أعواد الثقاب ويمرر الكبريت، وفعل يكمل بقية العمل، الفكر ينمو بالصمت والتجاوز وموت الضمير في لحظات المشي في الجنازة على رغم أن هناك من يمشي وهو أحد القتلة، الفعل يؤكد أن القنابل الموقوتة متوافرة حتى في المحيط القريب منا جداً، لكن الخيانات العظمى تكون في شجب الفعل والتباكي عليه مع قناعة ظاهرة مستترة بالفكر وخطواته المنحرفة الشاذة الضالة، الجاني أو مجرم التفجير لم يمت، الهالك في المسجد هو أداة وانتهت، الجاني / المجرم الحقيقي من لا يزال أو أسهم من قبل في سكب الفكر الضال الشاذ في عقول الجيل وقال لهم إن الجنة، والحور العين، والشهادة لا تأتي إلا من بوابة خراب الأرض وإراقة دماء الأبرياء، ومن يراوغ بالتفكير على حساب الحقن بالتكفير ويرى باستغلال التكبير لمصلحة «التفجير» ويستميت في التبرير هو إرهابي يجب أن يرمى لمزبلة التاريخ، ونسوق له الدعوات واللعنات إلى يوم الدين، أما مدينتي فستظل معجونة من فرح وفطرة رغماً عن كل حدث طاعن في القسوة.
المصدر : صحيفة الحياة