الحكمة إذا لم تقترن ببعد النظر، وإعمال العقل، والتخلي عن غرور الذات، ومكابرتها على الواقع أيّاً كان منطقه، وظروفه، وأطرافه؛ لا يمكن أن يسلم صاحبها من الضرر عاجلاً أم آجلاً، والتاريخ يروي لنا شواهد كثيرة عن مواقف لم يكن للحكمة فيها نصيب في التراجع عن الخطأ، ثم انهارت معها دول وحكومات ورؤساء، وأصبحوا من الماضي الذي لا يعود.
أتذكر في قمة شرم الشيخ العربية 2003 عندما قدّم الشيخ زايد –رحمه الله- مبادرته التاريخية في إنقاذ العراق من الحرب الأميركية، ودعا الرئيس العراقي صدام حسين وقتها إلى التنحي شريطة عدم ملاحقته قانونياً، وضمان العيش في الإمارات معززاً مكرماً مع أفراد أسرته، ولكنه رفض رسمياً على لسان وفده المشارك في القمة، وأتذكر جيداً التصريح الشهير للشيخ صباح –حين كان رئيساً لوزراء الكويت 2003- حينما قال: “قطار الحرب انطلق ويصعب إيقافه”، وكانت إشارة إلى أن صدام الوحيد القادر على إيقافه بقبول مبادرة الشيخ زايد، ولكن ماذا حصل حين غابت الحكمة ومعها العقل؟، وكيف انتهى صدام ومن معه؟، وماذا حلّ بالعراق إلى اليوم؟.
من يزايد على الحكمة يسقط؛ لأنه لم يقرأ التاريخ، ولم يفهم الواقع ويعي متغيراته، حيث يمضي مكابراً، ثم يدرك أن الأوان فات، ولم يعد سوى الحقيقة، وحينها لا ينفع قريب ولا بعيد ولا حتى حليف.
نقول هذا الكلام إلى حكومة الدوحة التي عليها الرد على مطالب دول المقاطعة، من دون استثناء، أو مماطلة، وعليها قبل ذلك أن تتحلى بالحكمة، والعقل الرشيد، وتترك المكابرة، وتعود إلى حضنها الخليجي، فلن ينفعها إرهابي أجير، أو إخواني عميل، ولا حتى دول إقليمية سوف تتخلى عنها في عالم المصالح السياسية.
من هو العراق في زمن صدام الذي قاوم الحصار عقداً من الزمن وأكثر، ولديه شعب قادر أن يعيش وعاش رغم الظروف، ومع ذلك سقط في النهاية، واليوم صحيح أن السيناريو مختلف سياسياً وعسكرياً في أزمة قطر، ولكن الذات هي ذاتها التي تكابر بين صدام وتميم، أو بمعنى أصح بين صدام والوالد حمد الذي لا يزال الحاكم الفعلي هناك.
منطق الحكمة لا يتعارض مع الكرامة في حال كان الفاعل جانياً في حق شعبه وأمته، ولا ينقص من قدر الإنسان وشرفه وقيمته أيّاً كان في العودة عن الخطأ، وقبول الحق، وحكومة الدوحة أخطأت فلا مجال عن كرامة للمخطئ، والمتآمر، وداعم الإرهاب، ولكن الحكمة يبقى فيها العزيز عزيزاً حتى وإن أخطأ وتراجع عن فعله.
المصدر: الرياض