كاتب و ناشر من دولة الإمارات
خاص لـ هات بوست:
في الشرق الأوسط، ليست الفوضى هي ما يثير الغضب… بل الدولة التي تنجو منها.
منذ سنوات وأنا أراقب الحملات المستمرة على الإمارات، وأسأل نفسي: لماذا كل هذا التركيز على دولة قررت ببساطة أن تعمل بجد وبهدوء؟ لماذا يتحول نجاحها إلى مصدر إزعاج؟
المسألة بالعموم ليست لغزًا. نحن نعيش وسط صراع بين مشروعين لا ثالث لهما: مشروع “الدولة” بمؤسساتها وقانونها، ومشروع “اللا-دولة” الذي يقتات على الميليشيات والشعارات. الإمارات اختارت بوضوح أن تكون دولة، لا ساحة. وهي تدرك جيدًا أن الفوضى قد تصنع ضجيجًا، لكنها لا تبني مستقبلًا. وهذا يختصر لك مواقفها في كل الملفات الإقليمية تقريبًا.
وفي كل هذه الجغرافيا المضطربة ، ظلّت البوصلة واحدة: دعم منطق الدولة، لا منطق الانهيار؛ مهما اختلفنا في التفاصيل.
ومع الوقت، تحول السؤال في المنطقة من “ماذا تفعل الإمارات؟”
إلى “من تكون هذه الدولة؟”.
كيف لبلد صغير بالجغرافيا أن يسبق دولًا عريقة بقرون؟ أتذكر صديقًا عربيًا قال لي وهو يتأمل متحف المستقبل: “هنا أشعر أن المستقبل ممكن”. هذه الجملة ليست مجرد مديح؛ هي تلخيص لوجع الشباب العربي الذي يبحث عن نموذج يحترم عقله وأحلامه، لا نموذجًا يبيعه الخوف. الإمارات قدمت هذا النموذج، ليس بالكلام، بل بالعمل.
وهنا تكمن المشكلة الحقيقية. نجاح الإمارات لم يعد يزعج الخصوم فقط، بل بات يحرج الأصدقاء والحكومات المترهلة. كيف تبرر فشلك الإداري والخدمي، وبجانبك دولة تشبهك ثقافيًا ودينيًا لكنها تنطلق بسرعة الصاروخ؟ المقارنة قاسية، وهي تفرض نفسها دون أن تنطق الإمارات بكلمة.
أما المتطرفون، فقصتهم مع الإمارات “مسألة حياة أو موت”. كيف تقنع أتباعك بأن الحداثة كفر، ودولة مسلمة ترسل مسبارًا للمريخ؟ كيف تسوق لمظلومية “الحرب على الإسلام”، وشيخ الأزهر يصافح البابا في أبوظبي؟ هذا النموذج يهدم في لحظة ما بنوه في سنوات.
وطبعًا، للنجاح ضريبته. الإمارات اليوم لاعب دولي، ومحور لوجستي وتقني، وهذا يضعها تلقائيًا في مهب الرياح التنافسية. وجزء كبير من الضجيج الذي تسمعونه ليس إلا معارك “خوارزميات” وجيوش إلكترونية تعيد تدوير الكذبة حتى يظن البعض أنها حقيقة.
في النهاية يبقى السؤال: هل ستستمر الإمارات في هذا المسار؟
الجواب نعم… ليس لأنها بلا أخطاء، بل لأنها فهمت مبكرًا إلى أين يتجه العالم، وعرفت ما ينبغي فعله، ثم فعلته بلا تردد. ولهذا تبدو أكثر استعدادًا من غيرها، لأنها لا تتحرك بردّ الفعل، بل بالبوصلة التي حملتها منذ البداية: أن المستقبل يُصنع ولا يُنتظر.
