أقر مجلس الأمن بالإجماع أمس مرور المساعدات الإنسانية إلى سورية عبر الحدود مع الدول المجاورة وداخل سورية عبر خطوط القتال «من خلال أقصر الطرق»، في قرار صدر بعدما وافقت روسيا والصين عليه. وتضمن القرار مطالبة للنظام بوقف قصف المدنيين بالبراميل المتفجرة التي سقط المزيد منها أمس في أكثر من منطقة بينها حي الإنذارات الذي دُمّرت أجزاء منه في حلب.
وشدد القرار ٢١٣٩ الذي صوتت روسيا لمصلحته بعد توقعات متضاربة بإمكان اعتراضها عليه أو على الأقل امتناعها عن التصويت، على اعتزام مجلس الأمن «اتخاذ مزيد من الخطوات في حال عدم الامتثال للقرار».
وأكد المجلس في قراره الذي أعدته أستراليا ولوكسمبورغ والأردن، «قيام الأطراف فوراً برفع الحصار عن المناطق المأهولة بالسكان بما فيها حمص القديمة ونبل والزهراء ومعضمية الشام واليرموك والغوطة الشرقية وداريا وغيرها من المواقع»، مشدداً على «مسؤولية الحكومة السورية بالدرجة الأولى عن حماية المدنيين ووقف استهدافهم بالأسلحة الثقيلة والبراميل المتفجرة».
وأكدت السفيرة الأميركية في الأمم المتحدة سامنثا باور أن الرئيس السوري بشار الأسد مسؤول مباشرة عن الانتهاكات الإنسانية وأن «الوضع الإنساني هو نتيجة أعمال متعمدة يقوم بها أفراد معينون وبالتالي لهم سلطة وقفها» مشيرة بالاسم إلى «الأسد، وإلى تنظيم النصرة والدولة الإسلامية في العراق والشام». وقالت إن مقاتلي التنظيمين «استكملوا بالتعصب الديني التعصب الديكتاتوري الذي يمارسه الأسد».
وقالت إن أهمية القرار تعود إلى أنه «يدعو إلى العمل فوراً لرفع المعاناة الإنسانية وينص على التحرك بخطوات إضافية في حال عدم التقيد به».
وأضافت أن «النظام السوري لا يمكن الوثوق بوعوده وهو يمارس الكذب»، داعية مجلس الأمن إلى ضرورة «التحرك في حال عدم تقيّد أي طرف بالقرار».
وأعتبر السفير الروسي فيتالي تشوركين أن «التحرك لإصدار قرار إنساني في مجلس الأمن جاء بعد الفشل في محاولات التحرك لتغيير النظام». وقال إن «الهدف الأساسي من القرار تسهيل وصول المساعدات الإنسانية»، متهماً المعارضة السورية «بمواصلة استهداف المدنيين واستخدامهم دروعاً بشرية وارتكاب الانتهاكات الجسيمة ومحاصرة المناطق الآهلة وبينها نبل والزهراء».
وأشار تشوركين إلى أن القرار وإن نص على إمكان العودة إلى اتخاذ إجراءات إضافية «ولكن ذلك لن يتم بشكل تلقائي لفرض عقوبات». وختم بأن «الحل الوحيد هو من خلال تسوية سياسية».
وأكد السفير الأردني الأمير زيد بن رعد أن الأردن «يفتخر بكونه أحد المشاركين في صياغة القرار بتكليف وزاري عربي». وقال إن «القرار يتناول مختلف أبعاد الكارثة الإنسانية التي أصبحت لا تحتمل». وأشار إلى أن الانتهاكات ضد المدنيين لم «تقتصر على الاعتداءات على المدنيين بشتى أنواع الأسلحة المحرمة دولياً بل وصل إلى استخدام الحصار لتجويع المدنيين» في انتهاكات «وصل بعضها إلى مستوى الجرائم ضد الإنسانية». وقال إن الآثار الهائلة على دول الجوار ستكون طويلة الأمد مما «يهدد الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط». وأكد أن «القرار لن يؤثر سلباً على المسار السياسي بل أنه يدعمه ويعززه».
وشدد بن رعد على «أهمية التزام الأطراف السوريين التنفيذ الكامل والفوري للقرار الملزم وعلى كافة الأطراف وخصوصاً السلطات السورية السماح بعبور المساعدات عبر الحدود وخطوط النار».
ورحب الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بقرار مجلس الأمن، معتبراً أن «تطبيقه سريعاً وبنية جيدة سيقلل من معاناة المدنيين». وقال إن التقارير مستمرة عن ارتكاب مجازر ومذابح على امتداد الأراضي السورية وأن «الحكومة السورية والميليشيات التابعة لها مسؤولة عن أعداد لا تحصى من أعمال القتل والإخفاء والاستخدام المروع للبراميل المتفجرة والتعذيب على نطاق واسع» وإن «مجموعات المعارضة نفذت إعدامات وجندت الأطفال واستخدمت تكتيكات لإرهاب المدنيين».
ودافع السفير السوري بشار الجعفري عن «التزام حكومة بلادي ببيان مجلس الأمن» الصادر في أكتوبر ٢٠١٣ والمتعلق بالمساعدات الإنسانية. واعتبر «أن القرار الصادر عن مجلس الأمن لا يجيز تجاوز الحكومة السورية في إجراءات إيصال المساعدات عبر الحدود مع الدول المجاورة».
وقدمت الدول الداعمة للقرار بعض التنازلات لروسيا من خلال حذف الفقرة التي تشير إلى فرض عقوبات تحت المادة ٤١ من ميثاق الأمم المتحدة على الأطراف التي لا تتقيد بالقرار وجاء التعديل الأخير لتلك الفقرة ليؤكد «استعداد المجلس لاتخاذ إجراءات إضافية في حال عدم التقيد بالقرار» من دون تحديد طبيعة هذه الإجراءات.
لكن الدول المؤيدة للمشروع الغربي – الأردني تمسكت بالفقرة التي تطلب من «الأطراف وخصوصاً السلطات السورية السماح سريعاً ومن دون معوقات بدخول المساعدات عبر خطوط القتال وعبر الحدود لضمان وصول المساعدات إلى المحتاجين».
وأسقطت المسودة الأخيرة لمشروع القرار الإشارة إلى «حزب الله» و «فيلق القدس» باعتبارها من التنظيمات الأجنبية التي تقاتل في سورية، لكنها أبقت على الدعوة إلى المقاتلين الأجانب إلى مغادرة سورية فوراً.
وجاء تصويت مجلس الأمن على مشروع القرار الإنساني لسورية في وقت تصاعدت هجمات القوات النظامية على أكثر من جبهة، كان أبرزها في محافظة القنيطرة في الجولان على خط التماس مع القوات الإسرائيلية. ونقل التلفزيون الحكومي السوري عن مسؤول عسكري أن جنود الجيش والدفاع الوطني سيطروا أمس على رسم الحور ورسم السد في جنوب مدينة القنيطرة. وأكد «المرصد السوري لحقوق الإنسان» (مقره بريطانيا) أن القوات الحكومية بالفعل تقوم بهجمات في تلك المنطقة بغطاء جوي. وأشار «المرصد»، في هذا الإطار، إلى «اشتباكات عنيفة بين القوات النظامية ومقاتلي الكتائب الإسلامية المقاتلة في محيط بلدة الهجّة بريف القنيطرة الجنوبي، ترافق مع تنفيذ الطيران الحربي لغارة جوية على المنطقة».
وفي محافظة ريف دمشق، أشار «المرصد» أيضاً إلى وقوع «اشتباكات عنيفة» بين قوات النظام والمعارضة في محيط بلدة القسطل بالقلمون بالتزامن مع قصف على أطراف مدينة يبرود ومحاولات للتقدم نحوها.
وفي حلب سُجّل استمرار قصف مروحيات النظام للأحياء التي تسيطر عليها المعارضة في عاصمة الشمال السوري، كما سُجّل دمار كبير وضحايا في حي الإنذارات الذي ضُرب بالبراميل المتفجرة.
أما في محافظة الحسكة بشمال شرقي سورية فقد سجّل مقاتلو وحدات حماية الشعب الكردي انتصاراً على «الدولة الإسلامية في العراق والشام» وتمكنوا من طردها من بلدة تل براك التي تقع على الطريق بين مدينتي الحسكة والقامشلي.
المصدر: نيويورك، لندن – «الحياة»