قروض السفر.. ترفيه مؤقت يهدد استقرار البيوت طوال العام

أخبار

هناء الحمادي

مع انتهاء العام الدراسي، تذهب معه كل الهموم التي تثقل كاهل العديد من الأسر، والتي تجد في العطلة الصيفية وقتاً ممتعاً للتخطيط للسفر إلى الخارج أو زيارة الأهل والأقارب، لكنْ تكاليف السفر، بدءاً من التذاكر وحتى الإقامة والمواصلات ووسائل الترفيه، تحتاج، بالطبع، إلى ميزانية كبيرة، خاصة إنْ كان عدد أفراد الأسرة كبيراً، وهذا، بالطبع، ما يشغل تفكير البعض من الأسر التي تنوى السفر في الصيف، حيث تجد الاقتراض من البنك أسهل الطرق لقضاء إجازة ممتعة مع أفراد الأسرة، خاصة مع إغراءات البنوك التي تتفن في جذب أكبر عدد من العملاء للاقتراض، حتى أنها قدمت 3.5 مليار درهم قروضاً شخصية خلال شهرين فقط ، بحسب الإحصاءات.

تصطف الآن في معظم البنوك طوابير طويلة، للحصول على قروض مالية ضخمة تقدر بملايين الدراهم خلال أيام معدودة. ليست من أجل تعليم الأولاد أو بناء منزل، أو حاجة ضرورية طارئة.. بل هي من أجل تمضية عطلة الصيف خارج البلاد، في لندن، أو باريس، أو اسطنبول .. إنه موسم القروض من أجل السياحة.

وهذه قضية معظم البيوت، مع اقتراب الصيف كل عام. ويدور حولها نقاش كبير بين مختلف أفراد الأسرة.. هل نسافر أياماً قليلة للخارج من أجل تمضية عطلة حلوة بعد عام مضن من العمل والدراسة مقابل أن يكلفنا ذلك فاتورة ضخمة نتحمل أعباءها على مدار العام من دخل رب الأسرة، أم نحاول الاقتصاد وتمضية عطلة بأقل التكاليف من دون الحاجة للحصول على قرض من البنك؟!

تجارب

يشعر هارون جاسم «موظف حكومي»، بالندم على قراره المتسرع بشأن الاقتراض من البنك من أجل السفر، حيث لا يزال متورطاً بدفع الفوائد الضخمة المستحقة عليه منذ صيف العام الماضي، ويقول هارون: اعتدت كل صيف الاقتراض من البنك مبلغ 80 ألف درهم من أجل السفر لمجموعة من الدول الأوروبية، لأعيش خلال 3 أسابيع في أرقى الفنادق وأفخم الأماكن السياحية، لكن ذلك الحلم السريع سرعان ما يختفي -على حد قوله – بمجرد العودة إلى الوطن، حيث تكون القروض بمثابة أزمة مالية والتزام مُضاعف وهمّ، يطال تفكيره ليل-نهار. ويعترف هارون بأنّه ينتظر بفارغ الصبر ذلك اليوم الذي سيبلغه فيه البنك أنّه قد انتهى من تسديد جميع الالتزامات المادية، المترتبة على القرض الخاص به.

ويتابع جازماً بعد أن أرهقته قروض السفر: «لن أتردد أبداً في رد العروض التي يتقدم بها موظفو البنوك المتعلقة بالسفر، فمهما كانت المميزات والتسهيلات التي يقدمونها مغرية، إلا أنني أصبحت الآن على يقين بأن تلك العروض لن تجلب سوى المتاعب والمشكلات والديون».

ويضيف «أن الادخار هو الحل المثالي لتغطية أي التزامات مادية متوقعة أو غير متوقعة، ولكن في حالات الضرورة أو عند مواجهة مشكلة مادية طارئة، فمن المقبول اللجوء إلى القروض البنكية وليس إلى بطاقات الائتمان، لأنّ الفوائد المترتبة على القروض معروفة ومُحددة سلفاً، بينما تزداد المديونية المترتبة على بطاقات الائتمان يوماً بعد يوم».

وتتجه ليلى عبد الله «موظفة» للاقتراض من أجل الترفية والسفر، خاصة أن محيطها العائلي معتاد ذلك، فإن لم تسافر ينظر لها بقية الزملاء بالدونية، لذلك وجدت الاقتراض من البنك مبلغ «60 ألف درهم»، هو الحل الأسرع لتحقق متعة السفر مع الأهل. وتقول في هذا الشأن: «أعشق السفر ولا يمر صيف إلا وتخطيطي للسفر يكون من أولوياتي، لكن تكاليف السفر هو غالباً ما يشل تفكيري، وعلى الرغم من معرفتي بعواقب السلف والاقتراض من البنك والبطاقات الائتمانية التي تكون مفيدة في مشتريات السفر، فإنني لا أفكر في التبعات كثيراً، ويكون همي هو السفر ومعرفة دول من العالم، وعند العودة من الجولة السياحية أحاول استقطاع مبلغ من الراتب من أجل تسديد القرض، على الرغم من أنه يؤثر كثيراً على مستوى معيشتي ومشترياتي».

ويروي أحد المقترضين أنه اعتاد سنويا الاقتراض من البنك بحدود 100 ألف درهم، أي ما يعادل 28 ألف دولار، لقضاء إجازة الصيف مع أفراد أسرته، المكونة من 4 أشخاص، في بلد مختلف كل عام، وأنه يظل يسدد في القرض طوال السنة من راتبه، وما أن ينتهي السداد، ويحل الصيف مرة ثانية، إلا ويقترض مرة أخرى أمام إغراءات البنوك التي ترحب به كل ترحيب، وتقدم له مختلف التسهيلات والعروض، واصفاً حاله بأنه طوال العام يكون مدينا للبنك، حيث يتم استقطاع مبلغ 6 آلاف درهم من راتبه، مما يؤثر على حياته، لافتاً إلى
أنه يقترض من أصدقائه مرة، ومرات من والدته أو أخوته، ويظل الوضع هكذا على حد قوله بين تسديد القرض للبنك وتسديد ما اقترضه من المقربين منه.

ومن جانبها تسعى سعاد جابر، «موظفة إدارية»، للتخطيط من أجل السفر، وتقدمت فعلياً بطلب للحصول على قرض من أحد البنوك لأنها، على حد قولها، لا تستطيع الاعتماد على الراتب الشهري لزوجها، في ظل المتطلبات المعيشية المتزايدة. وتضيف «القروض الصيفية من أجل السفر شر لابد منه، فنحن عائلة نحب أن نمتع أنفسنا، ونتجول في بعض البلدان الأوربية، وتلك الدول تحتاج إلى ميزانيات مرتفعة، من أجل التمتع بأجوائها والشراء من محالها التجارية»، مشيرة «صحيح بعد العودة من السفر تكون الديون في انتظارنا، ولكن على الرغم من ذلك نحاول طوال السنة تسديد تلك القروض حتى لا تشكل هماً آخر لنا».

وجاهة اجتماعية

ويبين مصبح بالعجيد الكتبي، «عضو المجلس الوطني الاتحادي»، أن السفر في حد ذاته لا عيب فيه، مع أننا دائماً ما ندعو إلى السياحة الداخلية والبينية ما بين دول الخليج العربي، لكن الاقتراض لدواعي السفر والتنزه لا داعيَّ له، لأن مشكلات ديون الشباب، والبحث عن حلول لتلك الديون، أصبحت تؤرق الجميع. ويضيف الكتبي: «أيضاً البنوك لها الدور الأكبر في إيقاع الشباب في مثل هذه الديون، وإغرائهم على الاقتراض، ثم جرهم إلى المسائل القانونية في حالة عدم التمكن من السداد».

متسائلاً الكتبي، لماذا السفر في حالة أن الإنسان غير قادر على تكاليف السفر، خاصة أن السفر مكلف جداً، ومن وجهه نظري أرى أنه لا يجب السفر أبداً لمن ليس لديه القدرة المادية، فالبدائل بالنسبة له كثيرة، وعليه البحث عنها بدلاً من اللجوء للاقتراض من البنوك. ويضيف «من يفكر في توابع السفر من تبعات قانونية في حالة التعسر في الدفع تلك القروض، لابد وأن يعيد النظر في النزهة العابرة لأيام عدة، والتي يعيش بعدها الفرد أو الأسرة في تبعات الدين وهمومه أو التزاماته القانونية، متمنياً الكتبي أن تراعي البنوك هؤلاء الشباب وأسرهم، وعدم تكليفهم أعباء إضافية فوق الأعباء المعيشية الحالية المرتفعة، بفتح باب الاقتراض للسفر والدعاية لها، ثم جرهم لويلات الديون، ليتجرعوا مرارتها».

صرعة وهوس

وفي المقابل تأسف فاطمة السري، «نائب رئيس مؤسسة المرأة العربية في دبي»، لأولئك الذين يستدينون من البنوك من أجل قضاء إجازة في أستراليا وجنيف أو فرنسا، لافتة إلى أن الإجازة تحولت هذه الأيام إلى نوع من «الفشخرة» أمام الآخرين، ليقال إن عائلة فلان سافرت إلى هذه الدولة أو تلك، في المقابل يجد الجميع أن السفر يحقق الراحة والاسترخاء، ولكنه أصبح الآن أبعد ما يكون عن الراحة الجسدية والمتعة، حيث نجد قلة من الناس يستمتعون به، فالكل بعد عودته من الإجازة غالباً ما يكون مرهقاً وأكثر تعباً وإفلاساً وتعاسة، مما كان عليه قبل الإجازة.

وتضيف السري، أن التباهي بالسفر صيفاً والاقتراض من البنوك، أشبه ما يكون صرعة أو هوساً نتيجة التقليد الأعمى، حيث نجد أن الأزواج دائماً ما يقعون بين مطرقة المظاهر الخداعة وسندان القروض الشخصية، وكثيراً ما تكون البنوك المتهم الأول في هذه القضية، لما تقدمه من تسهيلات وإغراءات لكل مقترض».

أما محمد مصطفي، «خبير اقتصادي»، فيرى أن الكثير من الأسر ليست لديها ثقافة الادخار، وإنما على علم كبير بثقافة الاقتراض من أجل السفر في الصيف، ويضيف: «الكثير من الأسر تقوم بالتقدم بطلبات للاقتراض من البنوك والحصول على بطاقات ائتمانية، من أجل تغطية مصروفات السفر، الأمر الذي من شأنه إرهاق ميزانيتها. مشيرا «تتحول ثقافة السفر لتمضية الإجازة الصيفية إلى وجاهة اجتماعية وتقليد سنوي، يقبل عليه حتى الذين لا يجدون راحة في الخارج، ولا تحقق لهم الحياة الغربية والسياحة العصرية والمراكز التجارية والترفيهية، السعادة والطمأنينة، لكنهم مضطرون للسفر، وملزمون بتلبية رغبة العائلة أو المجتمع ككل».

ويشير إلى أنه على الرغم من الارتفاع الملحوظ في أسعار الرحلات، إلا أنها دائماً ما تجد من يستطيع تحمل هذه التكلفة، لأن أغلب الأسر تستعد لذلك، وترتب ميزانياتها لتوفير التكاليف اللازمة لقضاء أيام عدة في جهة السفر.

مصيدة القروض

بدوره، يقول الدكتور أحمد فلاح العّموش، «عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية والاجتماعية في جامعة الشارقة»، إن السفر تحول إلى نوع من المباهاة والتفاخر أمام الآخرين، فبعدما كان السفر نوعاً من الراحة والاسترخاء، بات أبعد ما يكون عن الراحة الجسدية والمتعة، وهناك قلة من الناس يستمتعون به، ويضيف أنه سرعان ما يجد المرء نفسه منساقاً خلف الاقتراض من دون التفكير في العواقب، وإذا لم يستطع المواطن الحصول على قرض سفر، فإنه يسعى للحصول على بطاقة ائتمان، مبيناً العّموش، الاستخدام السيئ لبطاقات الائتمان الذي يزيد خلال فترة الصيف، حيث إن العملاء يستخدمون البطاقات بشكل سلبي لتتراكم عليهم الديون والفوائد بعد ذلك، مما يؤثر سلباً على ميزانيات أسرهم.

كما أن كثيراً من مستخدمي تلك البطاقات يتعاملون بها من دون أن تكون لديهم القدرة على سداد مبلغها، ما يضطرهم إلى الاقتراض من آخرين لسداد قيمتها.

وأكد العّموش «نجد بعض البنوك تفتح أبوابها على مصراعيها أمام المستهلكين، لاسيما لأبناء البلد، لاستدراجهم نحو ما يصفه بـ«مصيدة القروض الاستهلاكية»، ومنها قروض السفر الخالصة أو غيرها من أشكال القروض البنكية التي يلجأ إليها المسافر، بينما يخصصها المقترض لا لغرض سوى تمويل نفقات سفره مع أبنائه وأسرته صيفاً، في حين تكمن خطورتها في أنها قروض استهلاكية بحتة ولا طائل أو عائد من ورائها سوى المزيد من الديون التي تشكل في المحصلة دوامة حقيقية، لا يمكن الخروج من نفقها المظلم، ولو بأقل الخسائر.

طلاق بسبب السفر

من جانبها، تؤيد هدي عوض فكرة أن السفر أصبح بالنسبة للمواطن الخليجي هاجساً، فهو لا يستطيع البقاء في بلده لعام كامل، وبما أن نسبة كبيرة من الأُسر تعيش على القروض، فإنه مضطر لاقتراض مزيد من الديون، ومزيد من الغرق على حد وصفها. متهمة البنوك بشعاراتها التي تغري المقترض بأنها أحد أسباب حدوث الكثير من حالات الطلاق والانفصال، و«كأن السفر أصبح من الواجبات الأساسية أو فرضاً يجب أن يتم كل عام، حتي بات الكثير من الذين يسافرون يذهبون في قمة السعادة، ويرجعون في قمة التعاسة، نتيجة الديون والفوائد التي يعجزون عن سدادها، لاسيما أن البنوك تشجع على الاقتراض، فينساق إليها الجميع من دون التفكير في العواقب».

اعترافات مقترضين

◆ جاسم: نادم على ما فعلت، ولن أكررها مرة أخرى

◆ ليلى: تسديد قروض السفر يرهق ميزانيتنا طوال العام

◆ سعاد: شر لابد منه، لكن التخطيط مهم

◆ مدين: أعيش من أجل تسديد ديوني لأهلي وأصدقائي بسبب السفر

تسهيل القروض الشخصية

أوضح مدير أحد البنوك أن أكثر من (50%)، من المواطنين يقترضون من أجل السفر إلى الخارج أو للسياحة الداخلية، حيث تتراكم عليهم الالتزامات المالية. وأشار إلى أن الطلب على بطاقات الائتمان يزيد بشكل كبير خلال فترة الصيف، وذلك من أجل السياحة والسفر خارج البلاد. ولفت أن من بين 700 طلب على القروض الشخصية تمت تلبية نسبة تتراوح بين (40 و 60) في المائة من الطلبات بغرض تمويل السفر. وأنه من بين 800 طلب للحصول على البطاقات الائتمانية تمت الموافقة على أكثر من 70 في المائة، نتيجة للعروض الصيفية. وقال إن فترة الإجازة الصيفية تشهد إقبالاً ملحوظاً على الاقتراض أو إعادة تمويل القروض، إلى جانب البطاقات الائتمانية، خصوصاً في ظل العروض الصيفية المقدمة من البنوك حول تدني الفائدة، وتأجيل سداد الأقساط في أول ثلاثة أشهر، ورسوم الإصدار المجانية للبطاقات، ما يحفز الكثيرين على الاقتراض للسفر».

وعود البنوك

لا داعي للتفكير، تقدم بطلبك، وستحصل على القرض بعد «48 ساعة»، من أجل راحتك لديك فرصة ثمينة لاغتنامها على أفضل العروض المقدمة من بنك«….» الخاص بالقروض الشخصية مع قرض «….» يمكنك الحصول على العديد من المزايا والفوائد.. أقساط شهرية مريحة، فترة سداد مريحة، تأمين مجاني على حياتك، بطاقة سحب آلي، ودفتر شيكات مجاناً، إمكانية التسوق والسداد عن طريق خدمة كذا وكذا، التمتع بفترة سداد من دون فائدة تصل إلى «60 يوماً»، يمكنك الحصول على بطاقة الفيزا كارد والماستر كارد..

هذه هي بعض الوعود الخادعة التي تظهرها بعض البنوك في بداية العطلة الصيفية، لجذب أكبر عدد من العملاء الذين سرعان ما ينبهرون بتلك الوعود الزائفة، ولا يدركون أنهم يضعون بذلك أقدامهم على أولى خطوات السلف، والغرق في مستنقع الديون.

المصدر: صحيفة الاتحاد