قصر السقاف في مكة.. مدرسة ملوك السعودية

منوعات

B8gQvJkCUAAr-oj

يحظى قصر السقاف الذي شيد قبل نحو 8 عقود بأهمية بالغة لدى جميع ملوك الدولة السعودية، وجاء اهتمام الملك سلمان بن عبد العزيز لكونه المكان التي تجري فيه الدراسة، حين انتقال الملك المؤسس إلى الحجاز.

ويُعد قصر السقاف مقرا للدولة ومركزا للحكم في عهد الملك عبد العزيز، وفي عهد الملك سعود، ويمثل أنموذجا فريدا للعمارة التقليدية في مكة المكرمة، وتعرض أخيرا لعدة انهيارات. وهنا اهتمت القيادة السعودية بأمر القصر، حيث أصدر الملك الرحل عبد الله بن عبد العزيز عام 2012 أمرا بتسليم قصر السقاف التاريخي بمكة المكرمة إلى الهيئة العامة للسياحة والآثار؛ للمحافظة عليه والبدء في عملية ترميمه والعناية بتطويره، امتدادا لسلسلة من مواقف الدعم والرعاية التي يقدمها للعناية بالتراث الوطني.

يعد قصر السقاف المعلم البارز في التاريخ الوطني السعودي للمباني التراثية التي تعمل الهيئة على ترميمها وتوظيفها وفتحها للزوار، ضمن مشروع تأهيل قصور الدولة في عهد الملك عبد العزيز.

وتبرع الأمير الراحل سلطان بن عبد العزيز، عام 2010 بقيمة مليوني ريال من ماله الخاص وذلك لبدء أعمال ترميم المبنى وتجهيزه للاستخدام الأمثل، والعمل على تطويره وفتحه للزوار بالشكل الذي يتلاءم والقيمة التاريخية لهذا القصر.

وفي محاضرة للملك سلمان بن عبد العزيز ألقاها عام 2008، التي نشرتها دارة الملك عبد العزيز، أكد أنه كان يفرح حينما كان وإخوته صغارا عندما يأتون إلى مكة، فضلا عن الاستمتاع بالإقامة بها، والدراسة في قصر السقاف الذي تنتقل إليه مدرستنا عند القدوم إلى الحجاز، كحالها عند انتقالنا إلى أي مكان مع الملك المؤسس في البلاد.

وقال خادم الحرمين الشريفين، بمحاضرته عما تمثل مكة المكرمة للملوك كافة في السعودية: «إن الملك المؤسس حقق وحدة البلاد، ووحدة المواطنين، وأنجز أسس البناء ليستكمله أبناؤه من بعده، الملك سعود، والملك فيصل، والملك خالد، والملك فهد، الذي في عهده تواصلت مسيرة البناء في البلاد، وتحققت (في حينه) أضخم توسعة للحرمين الشريفين من منطلق العناية الخاصة التي يوليها قادة البلاد لهذه الأماكن المقدسة».

ويهتم الملك سلمان بن عبد العزيز بأمر الحرمين الشريفين، وتحظى الأماكن المقدسة بأهمية بالغة لدى جميع ملوك السعودية، لا سيما أنها شهدت أبرز القرارات التاريخية في البلاد مثل «صدور نظام الحكم ونظام الشورى، ونظام المناطق».

وللتعرف على مكانة مكة المكرمة، والمدينة المنورة ألقى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في عام 2008 محاضرة في رحاب جامعة أم القرى، استذكر فيها أهم ذكريات الملك المؤسس مع الحرمين الشريفين، مرورا بجميع ملوك السعودية السابقين.

واستهل المحاضرة بالقول: «تعد مكة المكرمة، والمدينة المنورة، أعز الأماكن في نفس الملك عبد العزيز، حيث أعطاهما جل اهتمامه، وقدم إليهما عزيز ماله ووقته، وأعاد إليهما مكانتهما المستحقة، من خلال خدمتهما وتطويرهما، وتهيئتهما للمسلمين».

وهنا يقول الدكتور زهير الحارثي، عضو مجلس الشورى، إن علاقة الملك سلمان مع التاريخ قديمة، ولا تكاد تخلو جلسة أو لقاء لا يتعرض الملك سلمان إلى التاريخ، موضحا أنه لديه هاجس بالتاريخ وعمل كثيرا في هذا الاتجاه.

وأشار زهير الحارثي خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط» إلى أن علاقة الملك سلمان بالتاريخ علاقة توأمة، وارتبط الملك المؤسس للسعودية يذكره دائما بالتاريخ، موضحا أن محاضرته التي ألقاها في جامعة أم القرى لم يستطع خلالها أن يكمل حديثه، وتذكر الأيام المنصرمة، حبا للملك المؤسس، وذكر بعض المواقف المؤثرة.

وأكد خادم الحرمين الشريفين في محاضرته أن الملك المؤسس أرسى دعائم المشاركة الوطنية في إدارة شؤون البلاد الداخلية، عندما أسس المجالس الأهلية والبلدية، وجعلها بالانتخاب، وأسس مجلس الشورى سنة 1927 ومقره مكة المكرمة، وفيها أصدرت أول صحيفة رسمية للسعودية باسم (أم القرى) سنة 1925، وجعل مقرها مكة المكرمة لتكون نافذة للحق، كي يشيع العلم والثقافة بين الناس.

وأوضح خادم الحرمين الشريفين، أن الملك عبد العزيز بويع في مكة المكرمة ملكا على الحجاز وسلطانا على نجد وملحقاتها في سنة 1926 حول باب الصفا بالمسجد الحرام، ثم طاف بالبيت العتيق، وصلى ركعتين خلف مقام إبراهيم عليه السلام شكرا لله، وحمدا للمولى – عز وجل – على توفيقه وتمكينه، وفي سنة 1927 بويع الملك عبد العزيز ملكا على الحجاز ونجد وملحقاتها، وفي سنة 1933 ونتيجة للبرقية المرفوعة من عدد من الأعيان والمواطنين، صدر القرار بإعلان اسم السعودية.

وأشار الملك سلمان بن عبد العزيز، إلى أن الملك المؤسس استعان بعدد من رجالاته في أنحاء السعودية، وبخاصة الحجاز، ليسهموا في تأسيس البنية الإدارية والمالية المبكرة للبلاد، منهم على سبيل المثال «الشيخ عبد القادر الشيبي، والشيخ محمد حسين نصيف، والشريف شرف عدنان، والشيخ حسين باسلامة، والشيخ محمود شلهوب، والسيد محمد المرزوقي، والشيخ محمد سعيد أبو الخير، والسيد علي كتبي، والشيخ ماجد الكردي، والشريف حسين عدنان، والشيخ سليمان قابل، والحاج عبد الله زينل، والحاج عبد الله الدهلوي، وعبد الوهاب عطار، وعبد المقصود خوجة، ومحيي الدين حلمي، وعبد السلام فارسي.

وذكر الملك سلمان بن عبد العزيز، أن الملك عبد العزيز أصدر أول نظام شامل لإدارة البلاد وحكمها، وهي التعليمات الأساسية في سنة 1945، أي بمنزلة النظام الأساسي، كما صدرت في مكة المكرمة المئات من الأنظمة بعهد الملك عبد العزيز لتسهم في بناء البلاد وتطوير جوانبها المختلفة، التي لا يزال معظمها يعمل به إلى يومنا هذا، وذلك لفاعليتها وقوة بنائها، وشهدت مكة المكرمة إعلان نظام ولاية العهد أول مرة في البلاد، حينما رفع عدد من أعيان مكة المكرمة أولا، ثم أعيان المدينة المنورة وتلاهما عدد من المدن الأخرى إلى الملك عبد العزيز خطابا يطلبون فيه تعيين الأمير سعود بن عبد العزيز وليا للعهد، ونتيجة لذلك صدر قرار مجلس الشورى والوكلاء بمبايعة الأمير سعود بولاية العهد عام 1934 محققين بذلك منهج الملك عبد العزيز في إدارة حكم البلاد على المنهج الشرعي الصحيح، وكان الملك المؤسس سبق أن عيّن ابنه الأمير فيصل نائبا عنه في مكة المكرمة سنة 1926، فعل الملك ذلك كله هناك عرفانا بمكانة هذه الأرض المقدسة.

وأضاف الملك سلمان: «منذ دخول الملك عبد العزيز مكة المكرمة وهو يولي المسجد الحرام والمشاعر المقدسة والأهالي والحجاج والمعتمرين اهتمامه الخاص، ومن اهتماماته المبكرة ترميم المسجد الحرام، وإنارته بالكهرباء أول مرة وتهيئة أماكن الطواف والسعي من خلال رصفها وتوسعتها، ونشر الأشرعة والمظلات لحماية المسلمين من حرارة الشمس أثناء أداء صلواتهم ومناسكهم، كما اهتم الملك عبد العزيز بتهيئة مياه الشرب، وبناء السبيل، وتعمير عين زبيدة، وبناء بئر زمزم، وإنشاء مصنع لكسوة الكعبة أول مرة في مكة المكرمة».

وأشار الملك سلمان بن عبد العزيز إلى أنه عندما حدث السيل الكبير في مكة المكرمة سنة 1941 حرص الملك عبد العزيز على حماية المسجد الحرام، من أي أضرار، فأبرق إلى عبد الله السليمان، وزير المالية قائلا: «من طرف أبواب الحرم، جميع ما ذكرتم طيب، نفذوه بكل ما يمكن من السرعة، ولكن قد يجيء سيل قبل أن تجهز هذه الأبواب، والذي أراه أن يُعمل خشب قوي ويحط له مقبض حديد من يمين ويسار، ويسقط فيه الخشب على قدر الذي يحمي من السيل، ويحط فوق الخشب شيء ثقيل حتى لا يشيله السيل، وهذا مؤقت حتى تحضر الأبواب الحديد».

وأشار الملك سلمان بن عبد العزيز إلى «أن الملك المؤسس هذه أفعاله في صدقه مع ربه، وحرصه على بيت الله، وأخذه الحيطة لأي أمر محتمل لمنع الضرر»، موضحا أن لمكة المكرمة لدى أبناء الملك المؤسس مكانة خاصة في نفوسهم، موضحا أنه «يُبشر من يأتيني عند سماعي من قرب سفرنا إلى مكة مع الملك – آنذاك -».

وأوضح أن الملك فهد، كان يتابع – آنذاك – بنفسه مشروعات التوسعة ويشرف عليها شخصيا ويعطيها الأولوية دائما، كما يعد إصدار أنظمة الحكم الثلاثة «النظام الأساسي للحكم، ونظام مجلس الشورى، ونظام المناطق» في عهد الملك فهد من العلامات البارزة في مسيرة البلاد، التي انطلقت في الرياض، مستمدة أساسها من تلك الأنظمة، التي صدرت في مكة المكرمة، ومعلنة أن الإسلام والعقيدة الإسلامية هما أساس السعودية، وحكومتها.

وأشار الملك سلمان إلى أن الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز، شارك أخاه الملك فهد بن عبد العزيز، وهو يضيف المزيد من الإنجاز لهذه البقعة المباركة وكان مثالا للوفاء معه في آخر حياته عند مرضه، وهذا يعكس قوة الأسرة في تماسكها وتلاحمها وتعاونها من أجل رفعة البلاد وخدمة المواطن.

وأكد خادم الحرمين الشريفين، أن الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز، والأمير الراحل سلطان بن عبد العزيز واصلا المسيرة التنموية الخاصة بالبلاد، وقدما المزيد من الإنجاز والاهتمام بالحرمين الشريفين، موضحا أن وقف الملك عبد العزيز الذي خصصه الملك عبد الله بن عبد العزيز لخدمة الحرمين وصدور أمره بتأسيس هيئة البيعة سنة 2006 ولائحتها التنفيذية بعدها بعام، من الإنجازات التاريخية المتعددة التي تسجل للملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز.

وأفاد الدكتور زهير الحارثي، عضو مجلس الشورى، أن الملك سلمان يعشق التاريخ ولديه معرفة بالتفاصيل، ودقيق الملاحظة، موضحا أنه عُرض على الملك سلمان بن عبد العزيز قبل نحو 10 أعوام بيت للشعر للشاعر دريد بن الصمة، كتب الملك سلمان حوله قرابة 13 صفحة حوت اسم الشاعر ومناسبة تلك الأبيات.

المصدر: الرياض: نايف الرشيد – الشرق الأوسط