حفلت حياة، المغفور له بإذن الله، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، بالكثير من المواقف الإنسانية، داخل الدولة وخارجها، وبقيت أثراً يتوارده الأجيال، ويحكيه الكبير للصغير، مواقف تجلّى فيها زايد القدوة والإنسان. وروى بعض من هذه المواقف مرافق، المغفور له بإذن الله، الشيخ زايد، سعيد بن دري الفلاحي، خلال لقاء تلفزيوني سابق.
«دَين»
قال الفلاحي، إنه في أحد الأيام اتصلت امرأة (من جنسية دولة عربية)، أثناء تناول وجبة غداء، تبكي بسبب سجن زوجها، عقب خسارة مالية في مشروع تجاري، وتراكم الديون عليه، طالبة مساعدتها والإفراج عنه، خصوصاً أنه العائل الوحيد لأسرتها، كي تتمكن من إطعام أبنائها، وطلبت إخبار الشيخ زايد بمشكلتها، مؤكدة أنها وزوجها أتيا إلى الدولة باحثين عن الخير، إلا أن القدر أوقعهما في هذه المشكلة.
وأضاف أنه فور سماع، المغفور له، مشكلتها، أمر ببحث حالة الزوج، وفي حال لم يكن متورطاً في جنحة أو جريمة وتوقيفه فقط بسبب الدين، يتم سداده بالكامل، ويعطى ما يعادله من مال ليتمكن من بدء مشروعه من جديد، الأمر الذي قابلته الزوجة بحالة من الفرحة الشديدة.
حادث
وحسب الفلاحي، فإنه في عام 1982، كان الشيخ زايد، رحمه الله، يقود سيارته بنفسه ويتجول في شوارع أبوظبي، ويتفقد أعمال الإنشاءات وأحوال المواطنين، ولم تكن السيارة عليها العَلم، كما هو معتاد من قبل رؤساء الدول، وليس أمامها أو خلفها سيارات الحراسة، بل كان، رحمه الله، يتوقف عند إشارات المرور، كما يقتضي النظام المروري، وكثيراً ما كان سائقو السيارات يفاجأون بأن من يتوقف عند الإشارة على يمينهم أو يسارهم هو رئيس الدولة.
في هذا اليوم، وصل بسيارته إلى أحد الدوارات المغلقة، التي كانت أولوية المرور فيها للقادم من اليمين على عكس بقية الدوارات، ليفاجأ بسيارة تاكسي يقودها سائق (من جنسية دولة آسيوية) تصطدم بسيارته بقوة، حتى إنه، رحمه الله، أصيب في كتفه وسافر للعلاج في الخارج، وبعد أن أدرك أن أولوية المرور في ذلك الدوار كانت لسائق التاكسي، عفا عنه، وأرضاه.
كرم
وروى الفلاحي، أن من المواقف التي تعكس كرم، المغفور له الشيخ زايد، أثناء رحلته للعلاج في الولايات المتحدة، التي استغرقت ما يقارب السبعة أشهر، أنه علم بأن مجموعة من العرب يزورون هذا المستشفى الذي يتعالج فيه، ويقطن بعضهم في الفنادق المجاورة للمستشفى، فأصدر أوامره بأن يفتح مطعم المستشفى أبوابه لمرتاديه على نفقته الخاصة ليل نهار، ولم يقتصر الطعام على العرب فقط، بل شمل الزوار على اختلاف دياناتهم وجنسياتهم.
مصافحة
وتابع الفلاحي: «كان، رحمة الله عليه، يتجول يوماً بسيارته متفقداً كورنيش أبوظبي، ولمح امرأة عربية تعرفت إليه من بعيد فأخذت تحييه، وعندما اقترب منها سمعها تقول إنها تتمنى أن تصافح الشيخ زايد، فأمر السائق بالتوقف، وناداها، فهرولت للسلام عليه، وبطبيعة الحال كان الموقف أكبر من تصورها واستيعابها فانعقد لسانها، صافحته، رحمة الله عليه، وظلت ممسكة بيده دون أن تنطق بكلمة، وبإنسانيته وعطفه أدرك ما كانت فيه، فأخذ يخفف عنها، ويبتسم لها، ويسألها عن أحوالها وأسرتها، لكنها ظلت شاخصة دون كلمة، فسألها عن حاجتها، فقالت إنها قضت 16 عاماً في الإمارات، ولا تريد إلا سلامته، سألها إن كانت في حاجة للمال، فقالت نحن أسرة ميسورة الحال وزوجي يعمل في إحدى شركات البترول، وكنت أحلم بمصافحتك فقط، لأنك الزعيم العربي الوحيد الذي يمكن أن يقترب منه الناس ويصافحوه، ولم أحلم بذلك في بلادي.
فاستمر، رحمة الله عليه، يخفف عنها بابتسامته الحنون، وعاد ليسألها هل لك حاجة؟ هل عندك مشكلة لنحلها لك؟
فقالت مندفعة الآن بدأت مشكلتي، فابتسم، رحمة الله عليه، قائلاً قبل أن يتعرف إلى مشكلتها سنحلها لك بإذن الله، وسألها ما مشكلتك؟ قالت: لن يصدق أهلي وأقاربي وصديقاتي أنني صافحت الشيخ زايد يداً بيد، فضحك، رحمة الله عليه، وقال لها: نحن سنجعلهم يصدقون.
ويضيف الفلاحي: «أمرني، رحمة الله عليه، بأخذ رقم هاتفها، وفي المساء كنت أدق باب بيتها، ومعي مبلغ من المال، ومجموعة هدايا قيمة وساعة يد نسائية عليها صورته، رحمة الله عليه، وأبلغتها رسالة منه «الآن سيصدقون أنك صافحتي زايد يداً بيد».
عشاء
من المواقف التي تروى عن الشيخ زايد، رحمه الله، أنه أمر بتوزيع العشاء على جميع سكان منطقة المبزرة في مدينة العين، عندما كان يتجول في المنطقة، كما أمر سيارات الشرطة أن تطلب من الموجودين في المنطقة البقاء في أماكنهم، وإبلاغهم بأن العَشاء الليلة من الشيخ زايد، وتم توفيره لجميع الموجودين. وبعدما رجع إلى القصر في إمارة أبوظبي، سأل هل تعشى الناس؟ وكم وجبة قدمتم لهم؟ فأجابوه بأنه تم تقديم 3000 وجبة، وأن جميع الناس تناولوا طعام العشاء، وعندها شعر، رحمه الله، بالراحة والسعادة والاطمئنان.
عيدية
ومن أحد مواقفه، طيّب الله ثراه، أنه أثناء تجوله في شوارع أبوظبي صباح عيد الفطر، شاهد رجلاً من الجنسية الآسيوية يمشي برفقة أسرته، وأمر سموه بإعطائه مبلغاً من المال (عيدية)، حتى يشعر بالفرح والسعادة مع أفراد أسرته. وفي إحدى جولاته، كذلك، توقف، رحمه الله، أمام عامل وأخذ ينادي عليه، وسأله عن اسمه وبلده، وعن مدى شعوره بالراحة والاطمئنان في الدولة، وأمر سموه، رحمه الله، بإعطائه مبلغاً من المال تقديراً له.
أمطار
وفي عام 1988 سقطت أمطار غزيرة على الإمارات، وكان، المغفور له، الشيخ زايد يسأل عن تفاصيلها من باكستان، حيث كان يقضي إجازته، وحدث أن انهمرت السيول وأغرقت العديد من القرى ودمرت بعض الطرق، فتابع بنفسه عملية صيانة ما خربته الأمطار، وخصص مجموعة من آليات البلديات والقوات المسلحة وطائرتين مروحيتين لإنقاذ من علقوا بسبب السيول، ويومها أُنقذ عدد كبير من الناس، وكان يحرص على سلامة الناس وتوفير ما يطلبونه، وتعويضهم عما خسروه.
المصدر: الإمارات اليوم